ولما كان ذلك عسراً جداً من التهاون به بقوله تعالى :﴿ربكم﴾ أي المحسن إليكم في الحقيقة، فإنه هو الذي عطف عليكم من يربكم وهو الذي أعانهم على ذلك ﴿أعلم﴾ أي منكم ﴿بما في نفوسكم﴾ من قصد البر بهما وغيره، فلا يظهر أحدكم غير ما يبطن، فإن ذلك لا ينفعه ولا ينجيه إلا أن يحمل نفسه على ما يكون سبباً لرحمتهما ﴿إن تكونوا﴾ أي كوناً هو جبلة لكم ﴿صالحين﴾ أي متقين أو محسنين في نفس الأمر ؛ والصلاح : استقامة الفعل على ما يدعوا إليعه الدليل، وأشار إلى أنه لا يكون ذلك إلا بمعالجة النفس وترجيعها كرة بهد فرة بقوله تعالى :﴿فإنه كان للأوابين﴾ أي الرجاعين إلى الخير مرة إثر مرة بعد جماع أنفسهم عنه ﴿غفوراً*﴾ أي بالغ الستر، تنبيهاً لمن وقع منه تقصيرن فرجع عنه على أنه مغفور.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٣
٣٧٥
ولما حث على الإحسان إليهما بالخصوص، عم بالأمر به الكل ذي رحم وغيره، فقال تعالى :﴿وءات ذا القربى﴾ من جهة الأب أو الأم وإن بعد ﴿حقه و﴾ آت ﴿المسكين﴾ وإن لم يكن قريباً ﴿وابن السبيل﴾ وهو المسافر عم ماله لتكون متقياً محسناً.
ولما رغب في البذل، وكانت النفس قلما يكون فعلها قواماً بين الإفراط والتفريط، أتبع ذلك قوله تعالى :﴿ولا تبذر﴾ بتفريق المال سرفاً، وهو بذله فيما لا ينبغي، وفي قوله ﴿تبذيراً*﴾ تنبيه على أن الارتقاء نحو ساحة التبذير أولى من الهبوط إلى مضيق الشح والتقتير ؛ والتبذير : بسط اليد في المال على حسب الهوى جزافاً، وأما الجود فبمقدار معلوم، لأنه اتباع أمر الله في الحقوق المالية، ومنها معلوم بحسب القدر، ومنها معلوم بحسب الوصف كمعاضدة أهل الملة وشكر أهل الإحسان إليك ونحو ذلكنة وقد سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن التبذير فقال : إنفاق المال من غير حقه، وهن مجاهد رضي الله عنه : لو أنفق الإنسان ماله كله في الحق ما كان تبذيراً، ولو أنفق مداً في باط كان تبذيراً.