ولما كان الغالب على الإنسان المخالفة للأوامر، لما جبل عليه من النقائص، كان الإنذار فأهم أعاده لذلك ولأن المقام له كما مضى، ذاكراً فيه بعض المتعلق المحذوف من الآية التي قبلها، تبكيتاً لليهود المضلين لهؤلاء العرب ولمن قال بمقالتهم فقال تعالى :﴿وينذر﴾ واقتصر هنا على المفعول الأول ليذهب الفكر في الثاني الذي عبر عما يحتمل تقديره به فيما مضى بـ " لدنه " - كل مذهب فيكون أهول ﴿الذين قالوا اتخذ الله﴾ أي تكلف ذو العظمة التي لا تضاهي كما يتكلف غيره أن أخذ ﴿ولداً*﴾ وهم بعض اليهود والنصارى والعرب ؛ قال الأصبهاني : وعادة القرآن جارية بأنه إذا ذكر قصة كلية عطف عليها بعض جزيئاتها تنبيهاً على كون ذلك لبعض أعظم جزيئات ذلك الكل، ولم أجعل الآية من الاحتباك لنقص المعنى، ثم استأنف معللاً في جواب من كأنه قال : ما لهم خصوا به الوعيد الشديد ؟ فقال تعالى :﴿ما لهم به﴾ أي القول ﴿من علم﴾ أصلاً لأنه مما لا يمكن أن يعلق العلم به لأنه لا وجود له ولا يمكن وجوده، ثم قرر هذا المعنى وأكد بقوله تعالى :﴿ولا لأبائهم﴾ الذين هم مغتبطون بتقليدهم في الدين حتى في هذا الذي لا يتخيله عاقل، ولو أخطؤوا في تصرف دنيوي لمن يتبعوهم فيه، تنبيهاً عل أنه لا يحل لأحد أن يقول على الله تعالى ما لا علم له به، ولا سيما في أصول الدين، ثم هول أمر ذلك بقوله تعالى :﴿كبرت﴾ أي مقالتهم هذه ﴿كلمة﴾ أي ما أكبرها من كلمة! وصوّر فظاعة اجترائهم على النطق بها بقوله تعالى :﴿تخرج من أفواههم﴾ أي لم يكفهم خطورها في نفوسهم، وترددها في صدورهم، حتى تلفظوا بها، وكان تلفظهم بها على وجه التكرير - بما أشار إليه التعبير بالمضارع ؛ ثم بين ما أفهمه الكلام من أنه كما أنهم لا علم لهم بذلك لا علم لأحد به أصلاً، لأنه لا وجود له فقال تعالى :﴿إن﴾ أي ما ﴿يقولون إلأا كذباً*﴾ أي قولاً لا حقيقة له بوجه من الوجوه وقال ابن الزبير في برهانه : من الثابت المشهور أن قريشاً بعثوا


الصفحة التالية
Icon