ولما كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم شديد الحرص على إيمانهم شفقة عليهم وغيره على المقام الإلهي الذي ملأ قلبه تعظيماً له، خفض عليه سبحانه بقوله تعالى :﴿فلعلك باخع﴾ أي فتسبب عن قولهم هذا، المباين جداً لما تريد لهم، الموجب لإعراضهم عنك أنك تشفق أنت ومن يراك على تلك الحالة من أتباعك من أن يكون قاتلاً ﴿نفسك﴾ من شدة الغم والوجد، وأشار إلى شدة نفرتهم وسرعة مفارقتهم وعظيم مباعدتهم بقوله تعالى :﴿على ءاثارهم﴾ أي حين تولوا عن إجابتك فكانوا كمن قوضوا خيامهم وأذهبوا أعلامهم ﴿إن لم يؤمنوا﴾.
ولما صور بعدهم، صور قرب ما دعاهم إليه ويسر تناوله بقوله تعالى :﴿بهذا الحديث﴾ أي القيم المتجدد تنزيله على حسب التدريج ﴿أسفاً*﴾ منك على ذلك، والأسف : أشد الحزن والغضب ؛ ثم بين علة إرشاده إلى الإعراض عنهم بغير ما يقدر عليه من التبليغ للبشارة والنذارة بأنهم لم يخرجوا عن مراده سبحانه، وأن الإيمان لا يقدر على إدخاله قلوبهم غيره فقال تعالى :﴿إنا﴾ أي لا نفعل ذلم لأنا ﴿جعلنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿ما على الأرض﴾ من المواليد الثلاثة : الحيوان والمعدن والنبات ﴿زينة لهما﴾ بأن حسنّاه في العيون، وأبهجتنا به النفوس، ولولا مضرة الحيوانات المؤذية من الحشرات وغيرها كانت الزينة بها ظاهرة، والظاهر أنه لو أطاع الناس كلهم لذهبت مضرتها فبدت زينتها، كما يكون على زمن عيسى عليه السلام حيث تصير لعباً للولدان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٤١


الصفحة التالية
Icon