ولما كان هذا من العجائب التي تضاءل عندها العجائب، والغرائب التي تخضع لديها الغرائب، وإن صارت مالوفة بكثرة التكرار، والتجلي على الأبصار، هذا إلى ما له من الآيات التي تزيد على العد، ولا يحصر بحد، من خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهارن وتسخير الشمس والقمر والكواكب - وغيرها ذلك، حقر آية أصحاب الكهف - وإن كانت من أعجب العجب - لا ضمحلالها في جنب ذلك، لأن الشيء إذا كان كذلك كثر ألفه فلم يعد عجباً، فنبه على ذلك بقوله تعالى عطفاً على ما تقديره : أعلمت أن هذا وغيره من عجائب قدرتنا ؟ :﴿أم حسبت﴾ على ما لك من العقل الرزين والرأي الرصين ﴿أن أصحاب الكهف﴾ أي الغار الواسع المنقور في الجبل كالبيت ﴿والرقيم﴾ أي القرية أو الجبل ﴿كانوا﴾ هم فقط ﴿من ءايتنا عجباً*﴾ على ما لزم من تهويل السائلين من الكفرة من اليهود والعرب، والواقع أنهم - وإن كانوا من العجائب - ليسوا بعجب بالنسبة إلى كثرة آياتنا، وبالنسبة إلى هذا العجب النباتي الذي أعرضتم عنه بإلفكم له من كثرة تكرره فيكم، فإنه سبحانه أخرج نبات الأرض على تباني أجناسه، واختلاف ألوانه وأنواعه، وتضاد طبائعه، من مادة واحدة، يهتز بالينبوع، يبهج الناظرين ويروق المتأملين، ثم يوقفه ثم يرده بليبس والتفرق إلى التراب فيختلط به حتى لا يميزه
٤٤٧