لتنجيهم بما عندك من الحرص على ذلك والجد ﴿فلن يهتدوا﴾ أي كلهم بسبب دعائك ﴿إذاً﴾ أي إذا دعوتهم ﴿أبداً*﴾ لأن من له العظمة التامة - وهو الذي إذا عبر عن نفسه بنونها كانت على حقيقتها - حكم عليها بالضلال، أي أنه لا يكون الدعاء وحده هادياً لأكثرهم، بل لا بد معه من السيف كما سنأمرك به فتقطع الرؤوس فيذل غيرهم، وقد يكون المراد أن من كان هكذا معانداً على هذا الوجه مؤبد الشقاء، وقد نفى آخر هذه الآية الفعل عن العباد وأثبته لهم أولها، وقلما نجد في القرآن آية تسند الفعل إليهم إلا قارنتها أخرى تثبيته لله وتنفيه عنهم، ابتلاء من الله لعباده ليتميز الراسخ - الذي ينسب للمكلفين الكسب المفيد لأثر التكليف، ولله الخلق المفيد لأنه سبحانه لا شريك له في خلق ولا غيره - من الطائش الذي يقول بالجبر أو التفويض.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٣
ولما كان هذا مقتضياً لأخذهم، عطف على ما اقتضاه السياق مما ذكرته من العلة قولَه تعالى :﴿وربك﴾ مشيراً بهذا الاسم إلى ما اقتضاه الوصف من االإحسان بأخذ من يأخذ منهم وإمهال غيره لحكم دبرها ؛ ثم أخبر عنه بما ناسب ذلك من أوصافه فقال :﴿الغفور﴾ أي هو وحده الذي يستر الذنوب إما بمحوها وإما بالحلم عنها إلى وقت ﴿ذو الرحمة﴾ أي الذي يعامل - وهو قادر - مع موجبات الغضب معاملة الراحم بالإكرام ؛ ثم استشهد على ذلك بقوله تعالى :﴿لو يؤاخذهم﴾ أي هؤلاء الذين عادوك وآذوك، وهو عالم بأنهم لا يؤمنون لو يعاملهم معاملة المؤاخذ ﴿بما كسبوا﴾ حين كسبهم ﴿لعجل لهم العذاب﴾ واحداً بعد واحد، ولكنه لا يعجل لهم ذلك ﴿بل لهم موعد﴾ يحله بهم فيه، ودل على أن موعده ليس كموعد غيره من العاجزين بقوله دالاً على كمال قدرته :﴿لن تجدوا من دونه﴾ أي الموعد ﴿موئلاً *﴾ أي ملجأ ينجيهم منه، فإذا جاء موعدهم أهلكناهم فيه بأول ظلمهم وآخره.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٨٣