يريد في الوقت الذي يريد، وقيل في ذلك : فانبئكم به ﴿وجعلني مباركاً﴾ بأنواع البركات ﴿أين ما﴾ في أي مكان ﴿كنت﴾ فيه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٣٠
ولما سبق علمه سبحانه أنه يدعي في عيسى الإلهية أمره أن يقول :﴿وأوصاني بالصلاة﴾ له طهرة للنفس ﴿والزكاة﴾ طهره للمال فعلاً في نفسي وأمراً لغيري ﴿ما دمت حياً﴾ ليكون ذلك حجة على من أطره لأنه لا شبهة في أن من يصلي لإله ليس بإله ﴿وبراً﴾ أي وجعلني براً، أي واسع الخلق طاهره.
ولما كان السياق لبراءتها فبين الحق في وصفه، صرح ببراءتها فقال :﴿بوالدتي﴾ أي التي أكرمها الله بإحصان الفرج والحمل بي من غير ذكر، فلا والد لي غيرها ﴿ولم يجعلني جباراً *﴾
٥٣١
بأن أفعل الجبارين بغير استحقاق، إنما أفعل ذلك بمن يستحق وفيه إيماء إلى أن التجبر المذموم فعل أولاد الزنا، وذلك أنه يستشعر ما عنده مكن النقص فيريد أن يجبره بتجبره، ثم أخبر بما له من الله من الكرامة الدائمة مشيراً إلى أنه لا يضره عدو، وإلى أنه عبد لا يصلح أن يكون إلهاً وإلى البعث فقال :﴿والسلام﴾ أي جنسه ﴿عليَّ﴾ فلا يقدر أحد على ضرري ﴿يوم ولدت﴾ فلم يضرني الشيطان ومن يولد لا يكون إلهاً ﴿ويوم أموت﴾ كذلك أموت كامل البدن والدين، لا يقدر أحد على انتقاصهما مني كائناً من كان ﴿ويوم أبعث حياً *﴾ يوم القيامة كما تقدم في يحيى عليه السلام، إشارة إلى أنه في البشرية مثله سواء لم يفارقه أصلاً إلا في كونه من غير ذكر، وإذا كان جنس السلام عليه كان اللعن على أعدائه، فهو بشارة لمن صدقة فإنه منه، ونذارة لمن كذبه، ولم يكن لنبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثل هذه الخارقة لئلا يلتبس حاله بالكهان، لأن قومه لا عهد لهم بالخوارق إلا عندهم، وإذا تقرر ذلك إنطاق الرضعاء كمبارك اليمامة وغيره، وإنطاق الحيوانات العجم، بل والجمادات كالحجارة وذراع الشاة المسمومة والجذع اليابس وغيرها.


الصفحة التالية
Icon