أعماله كما أشارت إليه قراءة الجمهور - من غير كلفة في شيء، في ذلك لأن الله أخلصه له كما في قراءة الكوفيين بالفتح ﴿وكان رسولاً﴾ إلى بني إسرائيل والقبط ﴿نبياً *﴾ ينبئه الله بما يريد من وحيه لينبئ به المرسل إليهم، فيرفع بذلك قدره، فصار الإخبار بالنبوة عنه مرتين : إحداهما في ضمن ﴿رسولاً﴾ والأخرى صريحاً مع إفهام العلو باشتقاقه من النبوة، وبكون النبأ لا يطلق عليه غالباً إلا على خبر عظيم، فصار المراد : رسولاً عالياً مقداره ويخبر بالأخبار الجليلة، وفيه دفع لما يتوهم من أنه رسول عن بعض رسله كما في أصحاب يس ؛ وعطف على ذلك دليله الدال على ما صدرت به السورة من الرحمة، فرحمة بتأنيس وحشته وتأهيل غربته بتلذيذه بالخطاب وإعطائه الكتاب فقال :﴿وناديناه﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿من جانب الطور﴾ أي الجانب ﴿الأيمن﴾ فأنبأه هنالك - حين كان متوجهاً إلى مصر - بأنه رسولنا، ثم واعدناه إليه بعد إغراق آل فرعون، فكان لنبي إسرائيل به من العجائب في رحمتهم بإنزال الكتاب، والإلذاذ بالخطاب، من جوف السحاب، وفي إماتتهم لما طلبوا الرؤية، ثم إحيائهم وغير ذلك ما يجل عن الوصف على ما هو مذكور في التوراة، وتقدم كثير منه في هذا الكتاب ﴿وقربناه﴾ بما لنا من العظمة تقريب تشريف حال كونه ﴿نجيّاً *﴾ نخبره من أمرنا بلا واسطة من النجوى وهي السر والكلام بين الاثنين كالسر، والتشاور كما في يوسف ويأتي في المجادلة ﴿ووهبنا له﴾ أي هبة تليق بعظمتنا ﴿من رحمتنا﴾ له لما سألنا ﴿أخاه﴾ أي معاضدة أخيه وبينه بقوله :﴿هارون﴾ حال كونه ﴿نبياً *﴾ أو هو بدل أي نبوته شددنا به أزره، وقوينا به أمره، وكان يخلفه من قومه عند ذهابه إلى ساحة المماجاة، ومع ذلك فأشركوا بي صورة عجل، فلا تعجب من غرورهم للعرب مع مباشرتهم لهذه العظائم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٣٩