ولما كان في إنجاء نوح عليه السلام وإغراق قومه من القدرة الباهرة ما لا يخفى، نبه عليه بنون العظمة في قوله مشيراً إلى أعظم النعمة عليهم بالتبعيض، وإلى أن نبيهم من ذريته كما كان هو من ذرية إدريس عليه السلام الذي هو من ذرية آدم، فكما كان كل منهم رسولاً فكذلك هو إبراهيم أقربهم إلى ذلك :﴿وممن حملنا مع نوح﴾ صفينا أول رسول أرسلناه بعد افتراق أهل الأرض وإشراكهم، من خلص العباد، وأهل الرشاد، وجعلناه شكوراً، وإبراهيم أقربهم إلى ذلك ﴿ومن ذرية إبراهيم﴾ خليلنا الذي كان له في إعدام الأنداد ما اشتهر به من فضله بين العباد، وإسماعيل وإسحاق أولاهم بذلك، ثم يعقوب ﴿وإسراءيل﴾ صفينا، وهم الباقون : موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى ابن مريم بنت داود - على جميعهم أفضل الصلاة والسلام - فكما كان هؤلاء رسلاً وهم من ذرية إبراهيم الذي هو من ذرية نوح فكذا نبيكم الذي هو من ذرية إسماعيل الذي هو من إبراهيم لصلبه وهو أول أولاده كما كان إسرائيل من ذريته، فالإرسال من ذرية من هو ابنه لصلبه أولى من الإرسال من ذرية من بينه وبينه واسطة، وإلا كان بنو إسرائيل أشرف منكم وأبوهم أشرف من أبيكم، فلا تردوا الكرامة، يا من يتنافسون في المفاخرة والزعامة ﴿وممن هدينا﴾ إلى أقوم الطرق ﴿واجتبينا﴾ أي فعلنا بهم فعل من يتخير الشيء وينتقيه بأن أسبغنا عليهم من النعم ما يجل عن الوصف ؛ وعطف الأوصاف بالواو إشارة إلى التمكن فيها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٤١
ولما ذكر ما حباهم به، ذكر ما تسبب عن ذلك فقال مستأنفاً ﴿إذا تتلى عليهم ءايات الرحمن﴾ العام النعمة، فكيف بهم إذا أعلاهم جلال أو خصتهم رحمة من جلائل النعم، من فيض الجود والكرم، فسمعوا خصوص هذا القرآن ﴿خروا سجداً﴾ للمنعم عليهم تقرباً إليه، لما لهم من البصائر المنيرة في ذكر نعمه عليهم وإحسانه إليهم
٥٤٤