ولما أخبر تعالى عنهم بالخيبة، فتح لهم باب التوبة، وحداهم إلى غسل هذه الحوبة، بقوله :﴿إلا من تاب﴾ أي مما هو عليه من الضلال، بإيثار سفساف الأعمال، على أوصاف الكمال، فحافظ على الصلاة، وكف نفسه عن الشهوات ﴿وءامن﴾ بما أخذ عليه به العهد ﴿وعمل﴾ بعد إيمانه تصديقاً له ﴿صالحاً﴾ من الصلوات والزكاة وغيرها، ولم يؤكدهما لما أفهمته التوبة من إظهار عمل الصلاة التي هي أم العبادات ﴿فأولئك﴾ العالو الهمم، الطاهر والشيم ﴿يدخلون الجنة﴾ التي وعد المتقون ﴿ولا يظلمون﴾ من ظالم ما ﴿شيئاً *﴾ من أعمالهم ؛ ثم بينها بقوله :﴿جنات عدن﴾ أي إقامة لا ظعن عنها بوجه من الوجوه ﴿التي وعد الرحمن﴾ الشامل النعم ﴿عباده﴾ الذين هو أرحم بهم من الوالدة ولدها ؛ وعبر عنهم بوصف العبودية للإشعار بالتحنن، وعداً كائناً ﴿بالغيب﴾ الذي لا اطلاع لهم عليه أصلاً إلا من قبلنا، فآمنوا به فاستحقوا ذلك بفضله سبحانه على إيمانهم بالغيب.
٥٤٦
ولما كان من شأن الوعود الغائبة - على ما يتعارفه الناس بينهم - احتمال عدم الوقوع، بين أن وعده ليس كذلك بقوله :﴿إنه كان﴾ أي كوناً هو سنة ماضية ﴿وعده مأتيّاً *﴾ أي مقصوداً بالفعل، فلا بد من وقوعه، فهو كقوله تعالى ﴿إن كان وعد ربنا لمفعولاً﴾ [الإسراء : ١٠٨].
ولما كانت الجنة دار الحق، وكان أنكأ شيء لذوي الأقدار الباطل، وكان أقل ما ينكأ منه سماعه، نفى ذلك عنها أبلغ وجه فقال :﴿لا يسمعون فيها لغواً﴾ أي شيئاً ما من الباطل الذي لا ثمرة له.
ولما كانت السلامة ضد الباطل من كل وجه، قال :﴿إلا﴾ أي لكن ﴿سلاماً﴾ لا عطب معه ولا عيب ولا نقص أصلاً فيه، وأورد على صورة الاستثناء من باب قول الشاعر :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٤٦
ولا عيب فيهم غير ان سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
ويحسن أن يراد باللغو مطلق الكلام ؛ قال في القاموس : لغا لغواًك تكلم.


الصفحة التالية
Icon