ولما بين مآل حال الكافرين في آلهتهم ودليله، أتبعه بوقته فقال :﴿يوم﴾ أي يكفرون بعبادتهم يوم ﴿نحشر المتقين﴾ أي العريقين في هذا الوصف ؛ ولما تقدمت سورة النعم العامة النحل، وأتبعت سورة النعم الخاصة بالمؤمنين وبعض العامة، مثل ﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾ [ الإسراء : ٧٠]، ثم سورتي الخاصة بالصالحين الكهف وهذه، قال :﴿إلى الرحمن﴾ فيدخلهم دار الرضوان، فذكر الاسم الدال على عموم الرحمة، وكرره في هذه تكريراً دل على ما فهمته، وربما أيد ذلك افتتاح النحل بنعمة البيان على هذا الإنسان التي عبر عنها بالخصيم، وختام هذه بالقوم اللد من حيث رد
٥٥٧
مقطع هذه التي كانت بالنظر إلى النعم شيئاً واحداً على مطلعها ﴿وفداً *﴾ أي القادمين في إسراع ورفعة وعلى، كما تقدم الوفود على الملوك، فيكونون في الضيافة والكرامة.
ولما ذكر ما يدل على كرامة أوليائه، أتبعه ما يدل على إهانة أعدائه فقال :﴿ونسوق المجرمين﴾ أي بالكفر وغيره من المعصية، كالبهائم سوقاً عنيفاً مزعجاً حثيثاً ﴿إلى جهنم﴾ بسطوة المنتقم الجبار ﴿ورداً *﴾ أي عطاشاً ﴿لا يملكون الشفاعة﴾ أي لا يملك أحد من القسمين أن يَشفَع ولا أن يشفَّع فيه ﴿إلا من اتخذ﴾ أي كلف نفسه واجتهد في أن أخذ ﴿عند الرحمن عهداً *﴾ بما وفقه له من الإيمان والطاعة التي وعده عليها أن يشفع أو أن يشفع فيه ؛ فالآية من الاحتباك : ذكر الرحمن أولاً دليلاً على المنتقم ثانياً، وجهنم ثانياً دليلاً على حذف الجنة أولاً.
ولما أبطل مطلق الشفعاء، وكان الولد أقرب شفيع، وكانوا قد ادعوا له ولداً، أبطل دعواهم فيه لينتفي كل شفيع خاص وعام، فينتفي كل عز راموه بشفاعة آلهتهم وغيرها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٥٥٧


الصفحة التالية
Icon