ولما حصل من هذا القطع من كل عاقل أن أكثر الخلق ضال، فكان الحال جديراً بالسؤال، عن وجه الخلاص من هذا الضلال، أشير إليه أنه لزوم الاجتماع، وبين ذلك في جملة حالية من فاعل " فرحون " فقال تعالى :﴿وإذا﴾ وكان الأصل : مسهم، ولكنه قيل لأنه انسب بمقصود السورة من قصر ذلك على الإنسان كما هي العادة في اكثر السور أو غير ذلك من أنواع العالم :﴿مس الناس﴾ تقوية لإرادة العموم إشارة إلى كل من فيه أهلية النوس وهوالتحرك، من الحيوانات العجم والجمادات لونطقت ثم اضطربت لتوجهت إليه سبحانه ولم تعدل عنه كما أنها الآن كذلك بألسنة أحواله، فهذا هو الإجماع الذ لا يتصور معه نزاع ﴿ضر دعوا ربهم﴾ أى الذي بم يشاركه في الإحسان إليهم أحد في جميع ضلالاتهم التي فرقتهم عنه ﴿إليه﴾ علماً منهم بأنه لا فرج لهم عند شيء غيره، هذا ديدن الكل لا يخرم عنه احد منهم في وقت من الأوقات، ولا في أزمة من الأزمات، قال الرازي في اللوامع في أواخر العنكبوت : وهذا دليل على أن نعرفة الرب في فطرة كل إنسان، وأنهم إن غفلوا في السراء فلا شك أنهم يلوذون إليه في حال الضراء.
ولما كان كل واقع في شدة مستبعداً كل استبعاد الخلاص منها قال :﴿ثم﴾ بأداة العبد ﴿إذا أذاقهم﴾ مسنداً الرحمة إليه تعظيماً للأدب وإن كان الكل منه.
ولما كان السياق كله للتوحيد، فكانت العناية باستحضار المعبود باسمه وضميره أتم قال :﴿منه﴾ مقدماً ضميره دالاً بتقديم الجار على الاختصاص وأن ذلك لا يقدر عليه غيره، وقال :﴿رحمة﴾ أى خلاصاً من ذلك الضر، إشارة إلى أنه لو أخذهم بذنوبهم أهلكهم، فلا سبب لإنعامه سور كرمه، ودل على شدة إسراعهم في كفران الإحسان بقوله معبراً بأداة
٦٢٥


الصفحة التالية
Icon