ولما أقام سبحانه الدليل على البعث وإقامة الوجود بتصريفه الرياح كيف يشاء وأتبعه آية التسلية والتهديد، وكان عذاب المذكورين فيها بالريح أو ما هي سببه أو لها مدخل فيه، أتبع ذلك الإعلام لنه مختص بذلك سبحانه تنبيهاً على عظيم آية الرياح للخص على تدبرها، مؤكداً لأمر البعث ومصرحاً به، فقال ثانياً الكلام عن مقام العظمة الذي اقتضته النقمة إلى الاسم الأعظم الجامع الذي نظره إلى النعمة أكثر من نظره إلى النقمة :﴿الله﴾ أي وحده ﴿الذي يرسل﴾ مرة بعد أخرى لأنه المتفرد بالكمال فلا كفوء له :﴿الرياح﴾ مضطربة هائجة بعد أن كانت ساكنة، وفي قراءة الجمهور بالجمع خلافاً لابن كثير وحمزة والكسائي تنبيه على عظيم الصنع في كونه يفعل ما ذكره بأي ريح أراد ﴿فتثير سحاباً﴾ لم يكن له وجود.
ولما أسند الإثارة إلى الرياح، نزع الإسناد إليها في البسط والتقطيع فإنه لم يجعل فيه قوة شيء من ذلك ليعلم أن الكل فعله فقالك ﴿فيبسطه﴾ بعد اجتماعه ﴿في السماء﴾ أي جهة العلو.
ولما كان أمر السحاب في غاية الإعجاب في وجوده بعد أن لم يكن واشكاله وألوانه وجميع أحواله في اجتماعه وافتراقه وكثافته وما فيه من مطر ورعد وبرق وغير ذلك مما لا يعلمه حق علمه إلا الله تعالى، أشار سبحانه إلى ذلك بأداة الاستفهام وإن كانوا قد عدوها هنا شرطية فقال :﴿كيف﴾ أي كما ﴿يشاء﴾ أى في ناحية شاء قيلاً تارة كمسيرة ساعة أو يوم، وكثيراً كمسيرة أيام على أوضاع مختلفة تدلك قطعاً على أنه فعله وحده باختيار لا مدخل فيه لطبيعة ولا غيرها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٣٨