ولما كانت تقوية المعنى الضعيف مثا إحياء الجسد الميت قال :﴿ثم جعل﴾ عن سبب وتصيير بالتطوير في أطوار الخلق بمايقيمه من الأسباب، ولما كان ليس المراد الاستغراق عبر بالجار فقال :﴿من بعد﴾ ولما كان الضعف الذي تكون عنه القوة غير الأول، أظهر ولم يضمر فقال :﴿ضعف قوة﴾ بكبر العين والأثر من حال الترعرع إلى القوة بالبلوغ إلى التمام في أحد وعشرين عاماً، وهو ابتداء سن الشباب إلى سن الاكتمال ببلوغ الأشد في اثنبن واريعين عاماً فلو لا تكرر مشاهدة ذلك لكان خرق العادة في إيجاده بعد عدمه مثل إعادة الشيخ شاباً بعد هرمه ﴿ثم جعل من بعد قوة﴾ في شباب
٦٤٢
تقوى به القلوب، وتحمى له الأنوف، وتشمخ من جرائه النفوس ﴿ضعفاً﴾ رداً لما لكم إلى أصل حالكم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٤٠
ولما كان بياض الشعر يكون غالباً من ضعف المزاج قال :﴿وشيبة﴾ وهي بياض في الشعر ناشىء من برد في المزاج ويبس يذبل بهما الجسم، وينقص الهمة والعم، وذلك بالوقوف من الثالثة والأربعين، وهو أول سن الاكتهال وبالأخذ في النقص بالفعل بعد الخمسين إلى ان يزيد النقص في الثالثة والستين، وهو أول سن الشيخوخة، ويقى الضعف إلى ما شاء الله تعالى.
ولما كانت هذه هي العادة الغالبة وكان الناس متفاوتين فيها، وكان من الناس من يطعن في السن وهو قوي، أنتج ذلك كله - ولا بد - التصرف بالاختيار مع شمول العلم وتمام القدرة فقال :﴿يخلق ما يشاء﴾ أى من هذا وغيره ﴿وهو العليم﴾ أي البالغ العلم فهو يسبب ما أراد من الأسباب لما يريد إيجاده أو إعدامه ﴿القدير*﴾ فلا يقدر أحد على إبطال شيء من أسبابهن فلذلك لا يتخلف شيء اراده عن الوقت الذي يريده فيه أصلاً، وقدم صفة العلم لاستتباعها للقدرة التي المقام لها، فذكرها إذن تصريح بعد تلويح، وعبارة بعد إشارة.