ولما كان الله تعالى لا يقر من كذب عليه، فضلاً عن أن يصدقه ويؤيده، ولا يخفى عليه كيد حتى يلزم منه نقص ما أراده، قال دالاً لهم على صدقه منبهاً على موضع الجحة في أمره - على قراءة حمزة والكسائي وحفص عن عاصم، وجوباً لمن كأنه قال : فماذا يقال لهؤلاء ؟ - على قاءة الباقين :﴿قال ربي﴾ المحسن إليّ بتأييدي بكل ما يبين صدقي ويحمل على أتباعي ﴿يعلم القول﴾ سواء كانن سراً أو جهراً.
ولما كان من يسمع من هاتين المسافتين يسمع من أيّ مسافة فرضت غيرهما قطعاً، لم يحتج إلى جمع على أنه يصح إرادة لالجنس فقال :﴿في السماء والأرض﴾ على حد سواء، لأنه لا مسافة بينه وبين شيء من ذلك ﴿وهو﴾ أي وحده ﴿السميع العليم*﴾ يسمع كل ما يمكن سمعه، ويعلم كل ما يمكن علمه من القول وغيره، فهو يسمع سركم، ويبطل مكركم، ويسمع ما أنسبه إليه من هذا الذكر، فلو لم يكن عنه لزلزل بي، وقد جرت سنته القديمة في الأولين، بإهلاك المكذبين، وتأييد الصادقين، وإنجائهم من زمن نوح عليه السلام إلى هذا الزمان، ولعلمه بحال الفريقين.
وستعلموون لمن تكون له العقبة، وقد أشار إلى هذا في هؤلاء الأنبياءء عليهم السلام الذين دل بقصصهم في هذه السورة على ما تقدمها من الأحكام والقاضايا ﴿وكنا به عالمين﴾ [الأنبياء : ٥١] ﴿إذ قال لأبيه وقومه وكنا لحكمهم شاهدين﴾ و﴿كنا بكل شيء عالمين﴾ [الأنبياء : ٨٨] ﴿وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون﴾ [الأنبياء : ١٠٩] ﴿أنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون﴾ [الأنبياء : ١١٠] ﴿إن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾
٦٦
[الأنبياء : ١٠٥] ﴿ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم﴾ [النور : ٥٥].
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٦٣