ولما كان التقدير : فإن عدلتم بقبوله شرفناكم، وإن ظلمتم برده عناداً أهلكناكم كما أهلكنا من كان قبلكم، عطف عليه قوله :﴿وكم قصمنا﴾ أي بعظمتنا ﴿من قرية﴾ جعلناها كالشيء اليابس الذي كسر فتباينت أجزاؤه، والإناء الذي فت فانكب ماؤه ؛ وأشار بالقصم الذي هو أفظع الكسر إلى أنها كانت باجتماع الكلمة وشدة الشكيمة كالحجر الرخام في الصلابة والقوة، و" كم " في هذا السياق يقتضي الكثرة، ثم علل إهلاكها وانتقالها بقوله :﴿كانت ظالمة﴾ ثم بين الغنى عنها بقوله :﴿وأنشأنا﴾ أي بعظمتنا.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٧٠
ولما كان الدهر لم يخل قط بعد آدم من إنشاء وإفناء، فكان المراد أن الإنشاء بعد الإهلاك يستغرق الزمان على التعاقب، بياناً لأن المهلكين ضروا أنفسهم من غير افتقار إليهم، اسقط الجار فقال :﴿بعدها قوماً﴾ أي الأقوياء، وحقق أنهم لا قرابة قريبة بينهم بقوله :﴿ءاخرين*﴾ ثم بين حالها عند إحلال البأس بها فقال :﴿فلما أحسوا *﴾ أى أدرك أهلها بحواسهم ﴿باسنا﴾ أى بما فيه من العظمة ﴿إذا هم﴾ أي من غير توقف أصلاً ﴿منها﴾ أي القرية ﴿يركضون*﴾ هاربين عنها مسرعين كمن يركض الخيل - أي يحركها -للعدو، بعد تجبرهم على الرسل وقولهم لهم ﴿لنخرجكم من أرضنا أو لتعدن في ملتنا﴾ [إبراهيم : ١٣] فنادهم لسان الحال تقريعاً تبشيعاً لحالهم وتفظيعاً :﴿لا تركضوا﴾ وصور التهكم بهم بأعظم صورة فقال :﴿وارجعوا﴾ إلى قريتكم ﴿إلى ما﴾.
ولما كان الاسيف إنما هو على العيش الرافه لا على كونه من معط معين، بني للمفعول قوله :﴿أترفتم فيه﴾ أي منها، ويجوز أن يكون بني للمجهول إشارة إلى غفلتهم عن العلم لمن أترفهم أو إلى أنهم كانوا ينسبون نعمتهم إلى قواهم، ولو عدوها من الله لشكروه فنفعهم.