ولما كانوا قد أرادوا بما صنعوا له من العذاب أن يكون أسفل مننم أهل ذلك الجمع، وكان السياق لتحقيق أمر الساعة الذي هو مقصود السورة، وكان الصائر إليها المفرط فيها بالتكذيب بها قد خسر خسارة لا جبر لها لفوات محل الاستدراك، قال :﴿الأخسرين*﴾ لأن فضيحتهم في الدنيا الموجبة للعذاب في الأخر كانت بنفس فعلهم الذي كادو به، ولم يذكر سبحانه شعيباً عليه السلام مع أنه سخر له النار في يوم الظلة فأحرقت عصاه، لأن فعل النار بقومه كان على ما هو المعهود من أمرها بخلاف فعلها مع إبراهيم عليه السلام، فإنه على خلاف المعتاد، وقد وقع مثل هذا لبعض أتباع نبيناً ﷺ، وهو أبو مسلم الخولاني، طلبه الأسود العنسي لما ادعى النبوة فقال له : أتشهد أني رسول الله ؟ قال : ما أسمع، قال : أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ قال : نعم! فأمر بنار فألقي فيها فوجده قائماً يصلي فيها وقد صارت عليه برداً وسلاماً، وقدم بعد موت النبي ﷺ فأجلسه عمر بينه وبين أبي بكر رضي الله عنهما وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد ﷺ من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله.
ولما كان إنجاؤه - وهو وحده - ممن أرادوا به هذا الأمر العظيم من العجائب فكيف إذا انضم إليه غيره، ولم يكن في ذلك الغير آية تمنعهم عنه كما كان في إبراهيم عليه السلام،
٩٦