ولما كان هذا الخارق في التنزيه، لم يعد الفعل اللام زيادة في التنزيه وإبعاداً عما ربما أوهم غيره فقال مقدماً ما هو أدل على القدرة في ذلك لأنه أبعد عن النطق :﴿مع داود الجبال﴾ أي التي هي أقوى من الحرث، حال كونهن ﴿يسبحن﴾ معه، ولو شئنا لجعنا الحرث أو الغنم يكلمه بصواب الحكم، ولم يذكر ناقة صالح أنها مقترحة موجبة لعذاب الاستئصال، فلم يناسب ذكرها هنا، لما أشار إليه قوله تعالى ﴿لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم﴾، " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " وهذه الآيات التي ذكرت هنا ليس فيها شيء مقترح ﴿والطير﴾ التي سخرنا لها الرياح التي هي أقوى من الجبال وأكثر سكناها الجبال، سخرناها معه تسبح ﴿وكنا فاعلين*﴾ أي من شأننا الفعل لأمثال هذه الأفاعيل، ولكل شيء نريده بما لنا من العظمة المحيطة، فلا تستكثروا علينا أمراً وإن كان عندهم عجباً، وقد اتفق نحو هذا لغير واد من هذه الأمة، كان مطرف بن عبد الله ابن الشخير إذا دخل بيته سبحت معه ابنته، هذا مع أن الطعام كان يسبح بحضرة النبي ﷺ والحصا وغيره.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٩٧
ولما ذكر التسخير بالتسبيح، اشار إلى تسخير الحديد الذي هة اقوى تراب الجبال وأصلبه وأصفاه فقال :﴿وعلمناه﴾ أي بعظمتنا ﴿صنعة لبوس﴾ قال البغوي : وهو في اللغة اسم لكل ما يلبس ويستعمل في الأسلحة كلها، وهو كالجلوس والركوب.
﴿لكم﴾ أي لتلبسوه في حربكم، وألنا له في عمله الديد ليجتمع له إلى العلم سهولة
١٠١


الصفحة التالية
Icon