ولما قرن بينهم لهذه المناسبة، استأنف مدحهم فقال :﴿كل﴾ أي كل واحد منهم ﴿من الصابرين*﴾ على ما ابتليناه به، فآتيناهم ثواب الصابرين ﴿وأدخلناهم﴾ ودل على عظمة ما لهم عنده سبحانه بقوله :﴿في رحمتنا﴾ ففعلنا بهم من الإحسان ما يفعله الراحم بمن يرحمه على وجه عمهم من جميع جهاتهم، فكان ظرفاً لهم ؛ ثم علل بقوله :﴿إنهم من الصالحين﴾ لكل ما يرضاه الحكيم منهم، بمعنى أنهم جبلوا جبلة خير فعملوا على مقتضى ذلك، ثم أتبعهم من هو أغرب حالاً منهم في الحفظ فقال ﴿وذا النون﴾ أي اذكره ﴿إذ ذهب مغاضباً﴾ أى على هيئة الغاضب لقومه بالهجرة عنهم، ولربه بالخروج عنهم دون الانتظار لإذن خاص منه بالهجرة، وروي عن الحسن أن معنى ﴿فظن أن لن نقدر عليه﴾ أن لن نعاقبه بهذا الذنب، أي ظن أنا نفعل معه من لا يقدر، وهو تعبير عن اللازم بالملزوم مثل التعبير عن العقوبة بالغضب، وعن الإحسان بالرحمة وفي أمثاله كثرة، فهو أحسن الأقوال وأقومها - رواه البهيقي في كتاب الأسماء والصفات عن قتادة عنه وعن مجاهد مثله وأسند من غير طريق عن ابن عباس رضي الله عنهما معناه، وكذا قال الأصبهاني عنه أن معناه : لن نقضي عليه بالعقوبة، وأنه قال أيضاً ما معناه : فظن أن لن نضيق عليه الخروج، من القدر الذي معناه الضيق، لا من القدرة، ومنه ﴿فقدر عليه رزقه﴾ [الفجر : ١٦] وروى البهيقي أيضاً عن الفراء نقدر بمعنى نقدر - مشدداً وبحكم، وأنشد عن ابن الأنباري عن أبي صخر الهذلي : ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما نقدر يقع ولك الشكر ﴿فنادى﴾ أي فاقتضت حكمتنا أن عاتبناه حتى استسلم فألقى نفسه في البحر فالتقمه الحوت وغاص به إلى قرار البحر ومنعناه من أن يكون له طعاماً، فنادى ﴿في الظلمات﴾ من بطن الحوت الذي في أسف البحر في الليل، فهي ظلمات ثلاث - نقله ابن كثير عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهم.
﴿أن لا إله إلا أنت﴾.