ولما كان السياق للقدرة على البعث الذي هو التحويل من حال الجمادية إلى ضده بغاية السرعة، أثبت " من " الابتدائية للدلالة على قرب زمن الجهل من زمن العلم، فربما بات الإنسان في غاية الاستحضار لما يعلم والحذق فيه فعاد في صبيحة ليلته أو بعد أيام يسيرة جداً من غير كبير تدريج لا يعلم شيئاً، وأفهم غسقاط حرف الانتهاء أنه ربما عاد إليه علمه، وربما اتصل جهله بالموت بخلاف ما مضى في النحل فقال :﴿من بعد علم﴾ كان أوتيه ﴿شيئاً﴾ بل يصير كما كان طفلاً في ضعف الجواهر والأعراض، لتعلموا أن ذلك كله فعل غلإله الواحد المختار، وأنه لو كان فعل الطبيعة لازداد بطول البقاء نمواً في جميع ذلك، وقد علم - بعود الإنسان في ذهاب العلم وصغر الجسم إلى نحو ما كان عليه في ابتداء الخلق - قطعاً أن الذي أعاده إلى ذلك قادر على إعادته بعد الممات، والكون على حال الرفات.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٩
ولما تم هذا الدليل على الساعة محكم المقدمات واضح النتائج، وكان أول الإيجاد فيه غير مشاهد فعبر عنه بما يليق به، أتبعه دليلاً آخر محسوساً، وعطفه على ما أرشد إليه التقدير من نحو قوله : تجدون أيها الناس ما ذكناه في أنفسكم، فقال :﴿وترى﴾ فعبر بالرؤية ﴿الأرض﴾ ولما كان في سياق البعث، عبر بما هو أقرب إلى الموت فقال :﴿هامدة﴾ أي يابسة مطمئنة ساكنة سكون الميت ليس بها شيء من نبت، ولعله أفرد الضمير توجيهاً إلى كل من يصلح أن يخاطب بذلك ﴿فإذا﴾ أي فننزل عليها ماء من مكان لا يوجد فيه ثم ينزل منه بقدرة عظيمة وقهر باهر، فإذا ﴿أنزلنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿عليها الماء اهتزت﴾ أى تحركت بنجوم النبات اهتزاز الحي، وتأهلت لإخراجه ؛ قال الرازي : والاهتزاز : شدة الحركوة في الجهات المختلفة.


الصفحة التالية
Icon