ولما قرر سبحانه هذين الدليلين، رتب عليهما ما هو مطلوب والنتيجة فقال على طريق التعليل :﴿ذلك﴾ أي الذي تقدم من الأمر بالتقوى، والترهيب من جلال الله بالحشر، والاستدلال عليه بالتصرف في تطوير الإنسان والنبات إلى ما في تضاعيفه من أنواع الحكم وأصناف اللطائف ﴿بأن﴾ أي بسبب أن تعلموا أن ﴿الله﴾ أي الجامع لأوصاف الكمال ﴿هو﴾ أي وحده ﴿الحق﴾ أى الثابت أتم الثبات، بحيث يقتضي ذلك أنه يكون كل ما يريد، فإنه لا ثبات مع العجز ﴿وأنه يحيي الموتى﴾ أي القادر على ذلك بأنه - كما سيأتي - هو العلي الكبير ﴿وأنه على كل شيء﴾ من الخلق وغيره ﴿قدير*﴾ ﴿إنما أمره إذا اراد شيئاً أن يقول له كن فيكون﴾ [يس : ٨٢] ﴿وأن الساعة﴾ التي تقدم التحذير منها، وهي وقت حشر الخلائق كلهم ﴿لآتية لا ريب فيها﴾ بوجه من الوجوه لما دل عليها مما لا سبيل إلى إنكاره بقول من لا مرد لقوله، وهو حكيم فلا يخلف ميعاده، ولا يسوغ بوجه أن يترك عباده بغير حساب ﴿وأن الله﴾ لما له من الجلال والحكم ﴿يبعث﴾ بالإحياء ﴿من في القبور*﴾ لحضوره والفصل بينهم فيها في كل ما اختلفوا فيه لأن ذلك من العدل الذي أمر به، وبه يظهر كثير من صفاته سبحانه أتم الظهور، والحاصل أن المراد أنه سبحانه قال ما تقدم وفعل ما ذكر من إيجاد الإنسان والنبات في هذه الأطوار ليعلم أنه قادر على هذه الأمور وعلى كل شيء ﴿ومن﴾ أي فمن الناس الذين كانوا قد وقفوا عن الإيمان قبل هذا البيان من آمن عند سماع هذه القواطع، ومن ﴿الناس﴾ وهم ممن اشتد تكاثف طبعه ﴿من يجادل﴾ أي بغاية جهده ﴿في الله﴾ أي في قدرته وما يجمعه هذا الاسم الشريف من صفاته بعد هذا البيان الذي لا مثل لهه ولا خفاء فيه ﴿بغير علم﴾ أتاه عن الله على لسان أحد من أصفيائه أعم من أن يكون كتاباً أو غيره ﴿ولا هدى﴾ أرشده إليه من عقله أعم من كونه بضرورة أو استدلال ﴿ولا كتاب منير*﴾ صح لديه أنه من عند الله، ومن المعلوم أنه بانتفاء هذه الثلاثة لا يكون


الصفحة التالية
Icon