ولما كان بحيث إن ما أراده سبحانه كان لا محالة، قال :﴿هم ناسكوه﴾ أي متعبدون به، لأنا ندافع عنهم من يعاديهم فيه حتى يستقيم لهم أمره، لإسعادهم به أو إشقائهم، فمن شك في قدرتنا على تمكينهم منه فهو كفور، فإن وافق الأمر كان ربحاً وإيماناً، وإن خالفه كان كفراً وخسراناً.
ولما كان قد حكم بإظهار دينه عل الدين كله، وبأن الكفار على كثرتهم يغلبون بعد ما هم فيه م نالبطرن أعلم بذلك بالتعبير بصيغة الزجر لهم بقوله مسبباً عن هذه العظمة :﴿فلا ينازعنك في الأمر﴾ أي بما يلقيه الشيطان إليهم من الشبه ليجادلوا به، من طعنهم في دينك بالنسخ بقولهم : لو كان من عند الله لما أمر اليوم بشيء ونهي عنه غداً.
لأنه يلزم منه ا لبدء، فليس الأمر كما زعموا، بل هو دال على العم بالعواقب والاقتدار التام على شرع المذاهب، وغير ذلك من الشبه كما مضت الإشارة إليه، فلا يلتفت إليهم في شيء نازعوا فيه كائناً ما كان، وروي أنها نزلت بسبب جدال الكفار بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعين وغيرهما في الذبائح، وقولهم للمؤمنين : تأكلون ما ذبحتم وهو من قتلكم، ولا تأكلون ما قتل الله - ينعون الميتة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٠
ولما كان النهي عن المنازعة في الحقيقة له ﷺ إلهاباً وتهييجاً إلى الإعراض عنهم لأنهم أهل لذلك، لأن كيدهم في تضليل، والإقبال على شأنه، وكان التعبير بما تقدم من تحويله إليهم لتأكيد الأمر مع دلالته على إجلاله ﷺ عن المواجة بالنهي، عطف عليه قوله :﴿وادع﴾ أي أوقع الدعوةلجميع الخلق ﴿إلى ربك﴾ أي المحسن إليك بإرسالك، بالحمل لهم على كل ما أمرك به متى ما أمرك، ولا يهولنك قولهم، فإنهم مغلوبون لا محالة، ولا تتأمل عاقبة من العواقب، بل أقدم على الأمر وإن ظن أن فيه الهلاك، فإنه ليس عليك إلا ذلك.


الصفحة التالية
Icon