وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : فصل في افتتاحها ما أجمل في قوله تعالى
١٨٥
﴿يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير﴾ [الحج : ٧٧] وأعلم بما ينبغي للراكع والساجد التزامه من الخشوع، ولالتحام الكلامين ما ورد الأول أمراً والثاني مدحه وتعريفاً بما به كمال الحال، وكأنه لما أمر المؤمنين، وأطمع بالفلاح جزاء لامتثاله، كان مظنة لسؤاله عن تفصيل ما أمر به من العباد وفعل الخير الذي به يكمل فلاحه فقيل له : المفلح من التزم كذا وكذا، وذكر سبعة أضرب من العبادة هي أصول لما وراءها زمستتبعة سائر التكاليف، وقد بسط حكم كل عبادة منها وما يتعلق بها في الكتاب والسنة ؛ ولما كانت المحافظة على الصلاة منافرة إتيان المأثم جملة ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ [العنكبوت : ٤٥] لذلك ما ختمت بها هذه العبادات بعد التنبيه على محل الصلاة من هذه العبادة بذكر الخشوع فيها أولاً، واتبعت هذه الضروب السبعة بذكر أطوار سبعة يتقلب فيها الإنسان قبل خروجه إلى الدنيا فقال تعالى ﴿ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين﴾ - إلى قوله :﴿ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين﴾ وكأن قد قيل له : إنما كمل خلقك وخروجك إلى الدنيا بعد عقب هذه الايات قوله تعالى ﴿ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق﴾ ولعل ذلك مما يقرر هذا الاعتبار ووارد لمناسبته - والله أعلم، وكما أن صدر هذه السورة مفسر لما أجمل في الآيات قبلها فكذا الآيات بعد مفصلة لمجمل ما تقدم في قوله تعالى ﴿يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة﴾ [الحج : ٥] وهذا كاف في التحام السورتين والله سبحانه المستعان - انتهى.


الصفحة التالية
Icon