ولما كان هذا متضمناً لإنكار رسالة البشر، صرحوا به في قولهم كذباً وبهتاناً كما كذب فرعون وآله حين قالوا مثل هذا القول وكذبهم المؤمن برسالة يوسف عليه الصلاة والسلام :﴿ما سمعنا بهذا﴾ أي بإرسال نبي من البشر يمنع أن يعبد غير الله بقصد التقريب إليه، فجعلوا الإله حجراً، وأحالوا كون النبي بشراً ﴿في بائنا الأولين*﴾ ولا سمعنا بما دعا إليه من التوحيد.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩١
ولما نفوا عنه الرسالة وحصروا أمره في قصد السيادة، وكانت سيادته لهم بمثل هذا عندهم من المحالن قالوا :﴿إن﴾ أى ما ﴿هو إلا رجل به جنة﴾ أي جنون في قصده التفضل بما يروث بغضه وهضمه ولا نعرف له وجهاً مخصصاً به، فلا نطيع له فيه ابداً ﴿فتربصوا به﴾ أي فتسبب عن الحكم بجنونه أنا نأمركم بالكف عنه لأنه لا حرج على مجنون ﴿حتى﴾ أي إلى ﴿حين*﴾ لعله يفيق أو يموت، فكأنه قيل : فما قال ؟ فقيل :﴿قال﴾ عندما أيس من فلاحهم :﴿رب انصرني﴾ أى أعني عليهم ﴿بما كذبون*﴾ أى بسبب تكذيبهم لي، فإن تكذيب الرسول استخفاف بالمرسل ﴿فأوحينا﴾ أى فتسبب عن دعائه أنا أوحينا ﴿إليه أن اصنع الفلك﴾ أي السفينة.
ولما كان يخاف من أذاهم له في عمله بالإفساد وغيره قال :﴿بأعيننا﴾ أي أنه لا يغيب عنا شيء من أمرك ولا من أمرهم وأنت تعرف قدرتنا عليهم فثق بحفظنا ولا تخف شيئاً من أمرهم.
ولما كان لا يعلم تلك الصنعة، قال :﴿ووحينا﴾ ثم حقق له هلاكهم وقربه بقوله :﴿فإذا جاء أمرنا﴾ أي بالهلاك عقب فراغك منه ﴿وفار التنور﴾ قال ابن عباس رضي اله عنهما : وجه الأرض.
وفي القامو : التنور : الكنون يخبز فيه، ووجه الأرض، وكل مفجر ماء، وجبل قرب المصيصة - انتهى.