ولما تسبب عن تكذيبهم هلاكهم المقتضي لبعدهم فقال :﴿فبعداً لقوم﴾ أى أقوياء على ما يطلب منهم ﴿لا يؤمنون*﴾ أي لا يتجدد منهم إيمان وإن جرت عليهم الفصول الأربعة، لأنه لا مزاج لهم معتدل.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠٠
ولما كان آل فرعون قد أنكروا الإيمان لبشر مثلهم كما قال من تقدم ذكره من قوم نوح والقرن الذي بعدهم، وكانوا أترف أهل زمانهم، وأعظمهم قوة، وأكثرهم عدة، وكانوا يستعبدون بني إسرائيل، وكان قد نقل إلينا من الآيات التي أظهر رسولهم ما لم ينقل إلينا مثله لمن تقدمه، صرح سبحانه بهم، وطأن الرسالة إليهم كانت بعد فترة طويلة، فدل عليها بحرف التراخي فقال :﴿ثم أرسلنا﴾ أى بما لنا من العظمة ﴿موسى﴾ وزاد في التسلية بقوله :﴿وأخاه هارون﴾ أى عاضداً له وبياناً لأن إهلاك فرعون وىله جميعاً مع إنجاء الرسولين معاً ومن آمن بهما لإرادة الواحد القهار لإفلاح المؤمنين وخيبة الكافرين ﴿بآياتنا﴾ أى المعجزات، بعظمتنا لمن يباريها ﴿وسلطان مبين*﴾ أى حجة ملزمة عظيمة واضحة، وهي حراسته وهو وحده، وأعلاه على كل من ناواه وهم مع قوتهم ملء الرض وعجزهم عن كل ما يرمونه من كيدهن وهذه وإن كانت من جملة الآيات لكنها أعظمها، وهي وحدها كافية في إيجاب التصديق ﴿إلى فرعون وملئه﴾ أي وقومه.
ولما كان الأطراف لا يخالفون الأشراف، عدهم عدماً، ومن الواضح أن التقدير : أن اعبدوا الله، ما لكم من إله غيره، واشار بقوله :﴿فاستكبروا﴾ إلى أنهم أوجدوا الكبر عن الاتباع فيما دعوا إليه عقب الإبلاغ من غير تأمل ولا تثبت وطلبوا أن لا يكونوا
٢٠٢
تحت أمر من دعاهم، وأشار بالكون إلى فساد جبلتهم فقال :﴿وكانوا قوماً﴾ أي أقوياء ﴿عالمين*﴾ على جميع من يناويهم من أمثالهم.