ولما كانوا كالبهائم لا يخافون من المهلكة إلا عند المشاهدة، غيَّى عملهم للخبائث بالأخذ فقال :﴿حتى إذا أخذنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿مترفيهم﴾ الذين هم الرؤساء القادة ﴿بالعذاب﴾ فبركت عليهم كلاكله، وأناخت بهم أعجازه وأوائله ﴿إذا هم﴾ كلهم المترف ومن تبعه من باب الأولى ﴿يجأرون*﴾ أي يصرخون دلاًّ وانكساراً وجزعاً من غير مراعاة لنخوة، لا استكباراً، وأصل الجأر وفع الصوت بالتضرع - قاله البغوي، فكأنه قيل : فهل يقبل اعتذارهم أو يرحم انكسارهم ؟ فقيل : لا بل يقال لهم بلسان الحال أو القال :﴿لا تجأروا اليوم﴾ بعد تلك الهمم، فإن الرجل من لا يفعل شيئاً
٢١٠
عبثاً، ثم علل ذلك بقوله :﴿إنكم منا﴾ أي خاصة ﴿لا تنصرون*﴾ أى بوجه من الوجوه، ومن عدم نصرنا لم يجد له ناصراً، فلا فائدة لجؤاره إلا إظهار الجزع ؛ ثم علل عدم نصره لهم بقوله :﴿قد كانت ىياتي﴾.
ولما كانت عظمتها التي استحقت بها الإضافة إليه تكفي في الحث على الإيمان بمجرد سماعها، بنى للمفعول قوله :﴿تتلى عليكم﴾ أي وهي أجلى الأشياء، من أوليائي وهم الهداة النصحاء ﴿فكنتم﴾ أي كوناً هو كالجبلة ﴿على أعقابكم﴾ عند تلاوتها ﴿تنكصون*﴾ أي ترجعون القهقرى إما حساً أو معنى، والماشي كذلك لا ينظر ما وراءه، ومضارعه فيه مع الكسر الضم ولم يقرأ به ولو شاذاً، دلالة على أنه رجوع كبر وبطر فهو بالهوينا، ولو قرىء بالضم لدل على القوة فأفهم النفرة والهرب، قال في القاموس : نكص على عقبيه ينكص وينكص : رجع عما كان عليه من خير، وفي الشر قليل، وعن الأمر نكصاً ونكوصاً ونكاصاً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠٩


الصفحة التالية
Icon