ولما تسبب عن إيمان هؤلاء زيادة كفران أولئك قال :﴿فاتخذتموهم سخرياً﴾ أي موضعاً للهزء والتلهي والخدمة لكم، قال الشهاب السمين في إعرابه : والسخرة - بالضم : الاستخدام، وسخريا - بالضم منها والسخر بدون هاء - الهزء والمكسور منه يعني على القراءتين وفي النسبة دلالة على زيادة قوة في الفعل كالخصوصية والعبودية ﴿حتى أنسوكم﴾ أي لأنهم كانوا السبب في ذلك بتشاغلكم بالاستهزاء بهم واستبعادهم ﴿ذكري﴾ أي أن تذكروني فتخافوني بإقبالكم بكليتكم على ذلك منهم.
ولما كان التقدير : فتركتموه فلم تراقبوني في أوليائي، عطف عليه قوله :﴿وكنتم﴾ أي بأخلاق هي كالجبلة ﴿منهم﴾ أى خاصة ﴿تضحكون*﴾ كأنهم لما صرفوا قواهم إلى الاستهزاء بهم عد ضحكهم من غيرهم عدماً.
٢٢٤
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٣
ولما تشوف النفس بعد العلم بما فعل بأعدائهم إلى جزائهم، قال :﴿إني جزيتهم﴾ أي مقابلة على عملكم ﴿اليوم بما صبروا﴾ أى على عبادتي، ولم يشغلهم عنها تألمهم بأذاكم كما كما شغلكم عنها التذاذكم بإهانتهم، فوزَهم دونكم، وهو معنى قوله :﴿أنهم هم﴾ أي خاصة ﴿الفائزون*﴾ أى الناجون الظافرون بالخير بعد الإشراف على الهلكة، وغير العبارة لإفادة الاختصاص والوضوح والرسوخ، وكسر الهمزة حمزة والكسائي على الاستئناف.
ولما كان الفائز - وهو الظافر - من لم يحصل له بؤس في ذلك الأمر الذي فاز به، وكان قد أشار سبحانه بحرف الغاية وما شاكله إلى أنه مد لأهل الشقاء في الدنيا في الأعمار والأرزاق حتى استهانوا بعبادة السعداء، فكان ربما قيل : إن أعداءهم فازوا بالاستهزاء بهم والرفعة عليهم في حال الدنيا، وكان سبحانه قد أسلف ما يرد ذلك من الإخبار بأنه خلدهم في النار وأعرض عنهم وزجرهم عن كلامه، وكان أنعم أهل الدنيا إذا غمس في النار غمسة ثم سئل عن نعيمة قال : ما رايت نعيماً قط، فكان ذلك مجزاً لتقريع الأشقياء بسبب تضيع أيامهم وتنديمهم عليها.