ولما كان حالهم في ظنهم أن لا بعث، حتى اشتغلوا بالفرح، والبطر والمرح، والاستهزاء بأهل الله، حال من يظن العبث على الله الملك الحق المبين، سبب عن ذلك عطفاً على قوله ﴿فاتخذتموه سخرياً﴾ إنكاره عليهم في قوله :﴿أفحسبتم﴾ ويجوز أن
٢٢٦
يكون معطوفاً على مقدر نحو : أحسبتم أنا نهملكم فلا ننصف مظلومكم من ظالمكم، فحسبتم ﴿أنما خلقناكم﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿عبثاً﴾ أي عابثين أو للعبث منا أو منكم، لا لحكمة إظهار العدل والفضل، حتى اشغلتم بظلم أنفسكم وغيركم ؛ قال أبو حيان : والعبث : اللب الخالي عن فائدة.
﴿
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٦
وأنكم﴾
أي وحسبتم أنكم ﴿إلينا﴾ أي خاصة ﴿لا ترجعون*﴾ بوجه من الوجوه لإظهار القدرة والعظمة في الفصل، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره وأبو يعلى الموصلي في الجزء الرابع والعشرين من مسنده والبغوي في تفسيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رقى رجلاً مصاباً بهذه الآية إلى آخر السورة في أذنيه فبرأ فقال رسول الله ﷺ :"والذي نفسي بيده! لو أن رجلاً موقناً قرأ بها على جبل لزال" وفي سندهما ابن لهيعة.
قال ابن كثير : وروى أبو نعيم عن محمد ابن إبراهيم بن الحارث عن أبيه رضي الله عنه، قال : بعثنا رسول الله ﷺ في سرية وأمرنا أن نقول إذا أمسينا وأصبحنا ﴿أفحسبتم﴾ - الآية، قال : فقرأناها فغنمنا وسلمنا.
ولما كان التقدير : ليس الأمر كما حسبتم، علل ذلك بقوله :﴿فتعالى الله﴾ أي علا الذي له الجلال والجمال علواً كبيراً عن البعث ؛ ثم وصفه بما ينافي العبث فقال :﴿الملك﴾ أي المحيط بأهل مملكته علماً وقدرة وسياسة، وحفظاً ورعاية.
ولما كان بعض ملوك الدنيا قد يفعل ما ينافي شيم الملوك من البعث بما فيه من الباطل، أتبع ذلك بصفة تنزهه عنه فقال :﴿الحق﴾ أي الذي لا تطرق للباطل إليه في شيء من ذاته ولا صفاته، فلا زوال له ولا لملكه فأنّى يأتيه العبث.


الصفحة التالية
Icon