ولما كان تنزيه الله تعالى في مثل ذلك وإن كان للتعجب إشارة إلى تنزيه المقام الذي وقع فيه التعجب تنزيها عظيماً، حسن أن يوصل بذلك قوله تعليلاً للتعجب والنفي :﴿هذا بهتان﴾ أي كذب يبهت من يواجه به، ويحيره لشدة ما يفعل في القوى الباطنة، لأنه في غاية الغفلة عنه لكونه ابعد الناس منه ؛ ثم هوله بقوله :﴿عظيم*﴾ والمراد أن الذي ينبغي للإنسان أولاً أن لا يظن بإخوانه المؤمنين ولا يسمع فيهم إلا خيراً، فإن غلبه الشيطان وارتسم شيء من ذلك في ذهنه فلا يتكلم به، ويبادر إلى تكذيبه.
٢٤٤
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٤٢
ولما كان هذا كله وعظاً لهم واستصلاحاً، ترجمه بقوله :﴿يعظكم الله﴾ أي يرفق قلوبكم الذي له الكمال كله فيمهل بحمله، ولا يمهل بحكمته وعلمه، بالتحذير على وجه الاستعطاف :﴿إن﴾ أي كراهة لأن ﴿تعودوا لمثله ابداً﴾ أي ما دمتم أهلاً لسماع هذا القول ؛ ثم عظم هذا الوعظ، وألهب سامعه بقوله :﴿إن كنتم مؤمنين*﴾ أي متصفين بالإيمان راسخين فيه فإنكم لا تعودون، فإن عدتم فأنتم غير صادقين في دعواكم الاتصاف به ﴿ويبين الله﴾ أي بما له من الاتصاف بصفات الجلال والإكرام ﴿لكم الآيات﴾ أي العلامات الموضحة للحق والباطل، من كل أمر ديني أو دنيوي ﴿والله﴾ أي المحيط بجميع الكمال ﴿عليم﴾ فثقوا بيبانه ﴿حكيم*﴾ لا يضع شيئاً إلا في أحكم مواضعه وإن دق عليكم فهم ذلك، فلا تتوقفوا في أمر من أوامره، واعلموا أنه لم يختر لنبيه عليه الصلاة والسلام إلا الخلص من عباده، على حسب منازلهم عنده، وقربهم من قلبه.


الصفحة التالية
Icon