ثم ختم الآية بما لا تصح التزكية بدونه فقال :﴿والله﴾ أى الذي له جميع صفات الكمال ﴿سميع﴾ أى لجميع أقولهم ﴿عليم*﴾ بكل ما يخطر في بالهم، وينشأ عن أحوالهم وأفعالهم، فهو خبير بمن هو أهل للتزكية ومن ليس بأهل لها، فاشكروا الله على تزكيته لكم من الخوض في مثل ما خاض فيه غيركم ممن خذله نوعاً من الخذلان، واصبروا على ذلك منهم، ولا تقطعوا إحسانكم عنهم، فإن ذلك يكون زيادة في زكاتكم، وسبباً لإقبال من علم فيه الخير منهم، فقبلت توبته، وغسلت حوبته، وهذا المراد من قوله :﴿ولا يأتل﴾ أي يحلف مبالغاً في اليمين ﴿أولو الفضل منكم﴾ الذين جعلتهم بما آتيتهم من العلم والأخلاق الصالحة أهلاً لبر غيرهم ﴿والسعة﴾ أي بما أوسعت عليهم في دنياهم.
ولما كان السياق والسباق واللحاق موضحاً للمراد، لم يحتج إلى ذكره أداة النفي فقال :﴿أن يؤتوا﴾ ثم ذكر الصفات المقتضية للإحسان فقال :﴿أولي القربى﴾ وعددها بأداة العطف تكثيراً لها وتعظيماُ لأمرها، وإشارة إلى أن صفة منها كافية في الإحسان، فكيف إذا اجتمعت! فقال سبحانه :﴿والمساكين﴾ أي الذين لا يجدون ما يغنيهم وإن لم تكن لهم قرابة ﴿والمهاجرين﴾ لأهلهم وديارهم وأموالهم ﴿في سبيل الله﴾ أي الذي عم الخلائق بجوده لما له من الإحاطة بالجلال والإكرام وإن انتفى عنهم الوصفان الأولان، فإن هذه الصفات مؤذنة بأنهم ممن زكى الله، وتعدادها بجعلها علة للعفو - دليل على أن
٢٤٧
الزاكي من غير المعصومين قد يزل، فتدركه الزكاة بالتوبة فيرجع كما كان، وقد تكون الثلاثة لموصوف واحد لأن سبب نزولها مسطح رضي الله عنه، فالعطف إذن للتمكن في كل وصف منها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٤٥
ولما كان النهي عن ذلك غير صريح في العفو، وكان التقدير : فلؤتوهم، عطف عليه مصرحاً بالمقصود قوله :﴿وليعفوا﴾ أى عن زللهم بأن يمحوه ويغطوه بما يسلبونه عليه من أستار الحلم حتى لا يبقى له أثر.