ولما أمر سبحانه بالجود في أمر الرقيق تارة بالنفس، وتارة بالمال، نهاهم عما ينافيه فقال :﴿ولا تكرهوا فتياتكم﴾ أي إماءكم، ولعله عبر بلفظ الفتوة هزاً لهم إلى معالي الأخلاق، وتخجيلاً من طلب الفتوة من امة ﴿على البغاء﴾ أي الزنى لتأخذوا منهن مما يأخذنه من ذلك.
ولما كان الإكراه على الزنى لا يصح إلا عند العفة، وكان ذلك نادراً من أمة، قال :﴿إن﴾ بأداة الشك ﴿أردن تحصناً﴾ وفي ذلك زيادة تقبيح للإكراه على هذا الفعل حيث كانت النساء مطلقاً يتعففن مع أنهن مجبولات على حبه، فكيف غذا لم يمنعهن مانع خوف أو حياء كالإماء، فكيف إذا أذن لهن فيه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٠
فكيف إذا ألجئن إليهن وأشار بصيغة التفعل وذكر الإرادة إلى أن ذلك لا يكون إلا عن عفة بالغة، زاد في تصوير التقبيح بذكر علة التزام هذا العار في قوله :﴿اتبتغوا﴾ أى تطلبوا طلباً حثيثاً فيه رغبة قوية بإكراههن على الفعل الفاحش ﴿عرض الحياة الدنيا﴾ فإن العرض متحقق فيه الزوال، والدنيا مشتقة من الدناءة.
٢٦٢
ولما نهى سبحانه عن الإكراه، رغب الموالي في التوبة عند المخالفة فيه فقال :﴿ومن يكرههن﴾ دون أن يقول : وإن أكرهن، وعبر بالمضارع إعلاماً بأن يقبل التوبة ممن خالف بعد نزول الآية، وعبر بالاسم العلم في قوله :﴿فإن الله﴾ إعلاماً بأن الجلال غير مؤيس من الرجمة، ولعله عبر بلفظ " بعد " إشارة إلى العفو عن الميل إلى ذلك الفعل عند مواقعته إن رجعت إلى الكراهة بعده، فإن النفس لا تملك بضغه حينئذ، فقال :﴿من بعد إكراههن غفور﴾ أي لهن وللموالي، يستر ذلك الذنب إن تابوا ﴿رحيم*﴾ بالتوفيق للصنفين إلى ما يرضيه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٠


الصفحة التالية
Icon