وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير في برهانه : لما تضمنت سورة النور بيان كثير من الأحكام كحكم الزنى، ورمي الزوجات به، والقذف، والاتئذان، والحجاب، وإسعاف الفقير، والكتابة، وغير ذلك، والكشف عن مغيبات، من تغاير حالات، تبين بمعرفتها الاطلاع عليها الخبيث من الطيب، كاطلاعه سبحانه نبيه والمؤمنين على ما تقوله أهل الإفك، وبيان سوء حالهم، واضمحلال محالهم، في قصة المنافقين في إظهارهم ضد ما يضمرون ؛ ثم كريم وعده للخلفاء الراشدين ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم﴾ [المائدة : ٩] ثم ما فضح به تعالى منافقي الخندق ﴿قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً﴾ [النور : ٦٣] إلى آخر الآية، فكان مجموع هذا فرقاناً يعتضد به الإيمان، ولا ينكره مقر بالرحمن، يشهد لرسول الله ﷺ بصحة رسالته، ويوضح مضمن قوله ﴿ا تجعلوا دعاء الرسول بينكم﴾ [النور : ٦٣] من عظيم قدره ﷺ وعليّ جلالته، أتبعه سبحانه بقوله ﴿تبارك الذي أنزل الفرقان على عبده﴾ [الفرقان : ١] وهو القرآن
٢٩٣
الفارق بين الحق والباطل، والمطلع على ما أخفاه المنافقون وأبطنوه من المكر والكفر ﴿ليكون للعاالمين نذيراً﴾ [الفرقان : ١] فيحذرهم من مرتكبات المنافقين والتشبه بهم ؛ ثم تناسخ الكلام، والتحم جليل المعهد من ذلك النظام، وتضمنت هذه السورة من النعي على الكفار والتعريف ببهتهم وسوء مرتكبهم ما لم يتضمن كثير من نظائرها كقولهم ﴿ما لهذا الرسول يأكل الطعام﴾ [الفرقان : ٧] الآيات، وقولهم ﴿لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا﴾ [الفرقان : ٢١] وقولهم ﴿لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة﴾ [الفرقان : ٣٢] وقولهم ﴿وما الرحمن﴾ [الفرقان : ٦٠] إلىما عضد هذه وتخللها، ولهذا ختمت بقاطع الوعيد، وأشد التهديد، وهو قوله سبحانه ﴿فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً﴾ [الفرقان : ٧٧] انتهى.