ولما أتم سبحانه ما ذكر من أقوالعهم الناشئة عن ضلالهم، التفت سبحانه إلى رسول ﷺ مسلياً له فقال :﴿انظر﴾ ثم أشار إلى التعجب منهم بأن ما قالوه يستحق الاستفهام بقوله :﴿كيف ضربوا﴾ وقدم ما به العناية فقال :﴿لك الأمثال﴾ فجعلوك تارة مثلهم في الاحتياج إلى الغذاء، وتارة نظيرهم في التوسل إلى التوصل إلىالأرباح والفوائد، بلطيف الحيلة وغريز العقل، وتارة مغلوب العقل مختلط المزاج تأتي بما لا يرضى به عاقل، وتارة ساحراً تأتي بما يعجز عنه قواهم، وتحير فيه أفكارهم ﴿فضلوا﴾ أي عن جميع طرق العدل، وسائر أنحاء البيان بسبب ذلك فلم يجدوا قولاً يستقرون عليه وأبعدوا جداً ﴿فلا يستطيعون﴾ في الحال ولا في المآلن بسبب هذا الضلال ﴿سبيلاً﴾ أي سلوك سبيل من السبل الموصلة إلى ما يستحق أن يقصد، بل هم في مجاهل موحشة، وفيافي مهلكة.
ولما ثبت أنه لا وجود لهم لأنهم لا علم لهم ولا قدرة، وأنهم لا يمن لهم ولا بركة، لا على أنفسهم ولا غيرهم، أثيت لنفسه سبحانه ما يستحق من المال الذي يفيض به على من يشاء من عباده ما يشاء فقال :﴿تبارك﴾ أي ثبت ثباتاً مقترناً باليمن
٢٩٩
والبركة، لا ثبات إلا هو ﴿الذي إن شاء﴾ فإنه لا مكره له ﴿جعل لك خيراً من ذلك﴾ أي الذي قالوه على سبيل التهكم ؛ ثم أبدل منه قوله :﴿جنات﴾ فضلاً عن جنة واحدة ﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ أي تكون أرضها هيوناً نابعة، أي موضع أريد منه إجراء نهر جرى، فهي لا تزال رياً تغني صاحبها عن كل حاجة ولا تحوجه في استثمارها إلى سقي.
ولما كان القصر - وهو بيت المشيد - ليس مما يستمر فيه الجعل كالجنة التي هذه صفتها، عبر فيه بالمضارع إيذاناً بالتجديد كلما حصل خلل يقدح في مسمى القصر فقال :﴿ويجعل لك قصوراً*﴾ أى بيوتاً مشيدة تسكنها بما يليق بها من الحشم والخدم، قال البغوي : والعرب تسمي كل بيت مشيد قصراً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٩٩


الصفحة التالية
Icon