ولما كان الاختبار ربما أوهم نقصاً في العلم، وكان إحسانه سبحانه إلى جميع الخلق دون إحسانه إلى سيدهم وعينهم، وخلاصتهم وزينهم : محمد ﷺ، وكان أعلمهم بتزيهه وتعظيمه، وكان امتحانهم بجعله نبياً عبداً مع كونه في غاية الإكرام له ربما ظنوه إهانة، نفى ما لعله يوهمه كل من الاستفهام والامتحان في حق الله سبحانهوحق نبيه ﷺ، فقال صارفاً وجه الخطاب إليه :﴿وكان ربك﴾ أي المحسن إليك إحساناً لم يحسنه إلى أحد سواك، لا سيما بجعلك نبياً عبداً ﴿بصيراً*﴾ بكل شيء فهو عالم بالإنسان قبل الامتحان، لم يفده ذلك علماً لم يكن، وهو سبحانه يضع الأمور في حاق مواضعها وإن رئي غير ذلك، فينبغي على كل أحد التسليم له في جميع الأمور فإنه يجر إلى خير كبير، والتدبر لأقواله وأفعاله بحسن الانقياد والتلقي فإنه يوصل إلى علم غزير، وما أراد بابتلائك بهم وابتلائهم بك في هذا الأذى الكبير إلا إعلاه شأنك وإسفال أمرهم ﴿ولتعلمن نبأه بعد حين﴾ [ص : ٨٨].
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٠٧
ولما ذكر هذا الايتلاء بعد أن ذكر أول السرة ما هو سبحانه عليه من العظمة من سعة الملك، وكثرة الصنائع، والإحسان إل جميع الخلق، وكان منحق كل مربوب أن يتعرف إلىربه، كائناً من كان، لا سيما إذا كان بهذه الصفة، لينال من إحسانه، ويتعزز به على أقرانه، أتبع ذلك أنه كشف الابتلاء عن أنه لا بصر لهم فقال تعالى :﴿وقال﴾ وأظهر في موضع الإضمار الوصف الذي قدم أنه موجب لعماهم فقال :﴿الذين لا يرجون﴾ أي ليست لهم عقول لكونهم نسوا ﴿لقاءنا﴾ فهم لا يعملون عملاً يطمعون في إثباتنا لهم عليه بعد الموت على ما يعلمون لنا من العظمة التي من رجاها كانت له فسعد، ومن أعرض عنها كانت عليه فهلك، فصارت لذلك عقولهم تبعاً لشهواتهم،
٣٠٩


الصفحة التالية
Icon