ولما كان ذلك اليوم سبباً لانكشاف الأمور ومعرفة أنه لا ملك لسواه سبحانه لأنه لا يقضي فيه غيره قال :﴿الملك يومئذ﴾ أي يوم إذ تشقق السماء بالغمام ؛ ثم وصف الملك بقوله :﴿الحق﴾ أي الثابت معناه ثابتاً لا يمكن زواله ؛ ثم أخبر عنه بقوله :﴿للرحمن﴾ أي العام الرحمة في الدارين، ومن عمم رحمته وحقية ملكه أن يسر قلوب أهل ورده بتعذيب أهل عداوته الذين عادوهم فيه لتضييعهم الحق باتباع الباطل، ولولا اتصافه بالرحمة لم يدخل أحد الجنة، ومعنى التركيب أن ملك غيره في ذلك اليوم إنما هو بالاسم الذي تقدم له في تسميته به فقط، لا حكم له أصلاً ولا ظاهراً كما كان في الدنيا ﴿وكان﴾ أي ذلك ايوم الذي تظهر فيه الملائكة الذين طلب الكفار رؤيتهم ﴿يوماً على الكافرين﴾ أي فقط ﴿عسيراً*﴾ شديد العسر والاستعار.
ولما كان حاصل حالهم أنهم جانبوا أشرف الخلق الهادي لهم إلى كل خير، وصاحبوا غيره ممن يقودهم إلى كل شر، بين عسر ذلك اليوم الذي إنما أوجب جرأتهم تكذيبهم به بتناهي ندمهم على فعلهم هذا فقال :﴿ويوم يعض الظالم﴾ أي لفرط تأسفه لما يرى فيه من الأهوال ﴿على يديه﴾ أي كلتيهما فيكاد يقطعهما لشدة حسرته وهو لا يشعر، حال كونه مع هذا الفعل ﴿يقول﴾ أي يجدد في كل لحظة قوله :﴿يا ليتني اتخذت﴾ أي أرغمت نفسي وكلفتها أن آخذ في الدنيا ﴿مع الرسول سبيلاً*﴾ أي عملاً
٣١٢
واحداً من الأعمال التي دعاني إليها، وأطعته طاعة ما، لما انكشف لي في هذا اليوم من أن كل من أطاعه ولو لحظة حصلت له سعادة بقدرها، وعض اليد والأنامل وحرق الأسنان ونحو ذلك كناية عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفهما، فتذكر الرادفه دلالة على المردوف فيرتفع الكلام في طبقة الفصاحة إلى حد يجد السامع عنده في نفسه من الروعة والاستحسان ما لا يجده عند المكنى عنه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١١


الصفحة التالية
Icon