ولما كان التقديرك وما له ينزل عليه مفرقاً، وكان للتفريق فوائد جليلة، أشار سبحانه إلى عظمتها بقوله معبراً للإشارة إلى ما اشتملت عليه من العظمة بأداة البعد :﴿كذلك﴾ أي أنزلناه شيئاً فشيئاً على هذا الوجه العظيم الذي أنكروه ﴿لنثبت بهه فؤادك﴾ بالإغاثة بتردد الرسل بيننا وبينك، وبتكمينك وتمكين أتباعك من تفهم المعاني، وتخفيفاً للأحكام، في تحميلها أهل الإسلام، بالتدريج على حسب المصالح، واتنافي الحكمة في الناسخ والمنسوخ، لما رتب من المصالح، وتسهياً للحفظ لا سيما والأمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، وتلقيناً للأجوبه في أوقاتهان وتعظيماً للإعجاز، لأن ما تحدى بنجم منه فعجز عنه علم أن العجز عن أكثر منه أولى، فالحاصل أن التفريق أدخل في باب الإعجاز وفي كل حكمة، فعلم أن هذا الاعتراض فضول ومماراة بما لا طائل تحته من ضيق الفطن، وقلة الحلية، وحرج الخطيرة، دأب المقطوع المبهوت، لأن المدار الإعجاز، وأما كونه جملة أو مفرقاً فأمر لا فائدة لهم فيه، وليست الإشارة محتملة لأن تكون للكتب الماضية، لأن نزولها إنما كان منجماً كما بينته في سورة النساء عن نص التوراة المشير إليه نص كتابنا، لا كما يتهمه كثير من الناس، ولا أصل له إلا كذبة من بعض البهود شبهوا بها على أهل الإسلام فمشت على أكثرهم وشرعوا يتكلفون لها أجوبة، واليهود الآن معترفون بأن التوراة نزلت في نحو عشرين سنة والله الموفق.
٣١٥
ولما كان إنزله مفرقاً أحسنن أكده بقوله عطفاً على الفعل الذي تعلق به طكذلك " ﴿ورتلناه ترتيلا*﴾ أي فرقناه في الإنزال إليك تفريقاً في نيف وعشرين سنة ؛ وقال البغوي : قال ابن عباس رضي الله عنهما : بيناه بياناً، والنرتيل : التبين في ترسل وتثبت انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٤
وأصله ترتيل الأسنان وهو تفليجها كنور الأقحوان.