ولما كان كأنه قيل : بأيّ شيء دمروا ؟ قال :﴿أغرقناهم﴾ كما أغرقنا ىل فرعون بأعظم مما أغرقناهم ﴿وجعلناهم﴾ أي قوم نوح في ذلك ﴿للناس آية﴾ أي علامة على قدرتنا على ما نريد من إحداث الماء وغيره وإعدامه والتصرف في ذلك بكل ما نشاء، وإنجاء من نريد بما أهلكنا به عدوه ﴿وأعتدنا﴾ أى هيأنا تهيئة قريبة جداً وأحضرنا على وجه ضخم شديد تام التقدير ؛ وكان الأصل : لهم، ولكنه أظهر تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف في الأشياء في غير مواضعها ﴿عذاباً أليماً*﴾ لاسيما في الآخرة.
ولما ذكر آخر الأمم المهلكة بعامة وأولها، وكان إهلاكهما بالماء، ذكر من بينهما ممن أهلك بغيير ذلك، إظهار للقدرة والاختيار، وطوى خبرهم بغير العذاب لأنه كما مضى في سياق الإنذار فقال :﴿وعاداً﴾ أي ودمرنا عاداً بالريح ﴿وثموداً﴾ بالصيحة ﴿وأصحاب الرس﴾ أي البئر التي هي غير مطوية ؛ قال ابن جرير : والرس في كلام العرب كل محفور مثل البئر والقبر ونحو ذلك.
اي دمرناهم بالخسف ﴿وقروناً بين ذلك﴾ أي الأمر العظيم المذكور، وهو بين كل أمتين من هذه الأمم ﴿كثيراً*﴾ وناهيك
٣١٨
بما يقول فيه العلي الكبير : إنه كثير ؛ أسند البغوي في تفسير ﴿أمة وسطاً﴾ [البقرة : ١٤٣] في البقرة عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله ﷺ يوماً بعد العصر، فما ترك شيئاً إلى يوم القيامة إلا ذكره في مقامه ذلك حتى إذا كانت الشمس على رؤوس النخل وأطراف الحيطان قال :"أما إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى إلا كما بقي من يومكم هذا، ألا وإن هذه الأمة توفي سبعين أمة هي آخرها وأكرمها على الله عز وجل.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٨


الصفحة التالية
Icon