ولما أثبت تكذيبهم بالآخرة، عطف عليه تحقيقاً قوله، مبيناً أنهم لم يقتصروا على التكذيب بالممكن المحبوب حتى ضموا إليه الاستهزاء بمن لا يمكن أصلاً في العادة أن يكون موضعاً للهزء :﴿وإذا رأوك﴾ أي مع ما يعلمون من صدق حديثك وكرم أفعالك لو لم تأتهم بمعجزة، فكيف وقد أتيتهم بما بهر العقول ﴿إن﴾ أي ما ﴿يتخذونك إلا هزواً﴾ عبر بالمصدر إشارة إلى مبالغتهم في الاستهزاء مع شدة بعده ﷺ عن ذلك، يقولون محتقرين :﴿أهذا﴾ وتهكموا مع الإنكار في قولهم ﴿الذي بعث الله﴾ أى المستجمع لنعوت العظمة ﴿رسولاً*﴾ فإخراجهم الكلام في معرض التسليم والإقرار
٣٢٠
- وهو في غاية الجحود - بالغ الذروة من الاستهزاء، فصار المراد عندهم أن هذا الذي ادعاه من الرسالة مما لا يجوز أن يعتقد.
ثم استأنفوا معجبين من أنفسهم، مخيلين غيرهم من الالتفات إلى ما يأتي به م نالمعجزات، قائلين :﴿إن﴾ أى إنه ﴿كاد﴾ وعرّف بأن " إن " مخففة لا نافية باللام فقال :﴿ليضلنا﴾ أى بما يأتي به من هذه الخوارق التي لا يقدر غيره على مثلها، واجتهاده في إظهار النصح ﴿عن آلهتنا﴾ هذه التي سبق إلى عبادتها من هو أفضل منا رأياً وأكثر للأمور تجربة.
ولما كانت هذه العبارة مفهمة لمقاربة الصرف عن الأصنام، نفوه بقولهم :﴿لولا أن صبرنا﴾ بما لنا من الاجتماع والتعاضد ﴿عليها﴾ أى على التمسك بعبادتها.
ولما لزم قولهم هذا أن الأصنام تغني عنهم، نفاه مهدداً مؤكداً التهديد لفظاعة فعلهم بقوله، عطفاً على ما تقديره : فسوف يرون - أو من يرى منهم - أكثرهم قد رجع عن اعتقاد أن هذه الأصنام آلالهة :﴿وسوف يعلمون﴾ أى في حال لا ينفعهم فيه العمل وإن طالت مدة الإمهال والتمكين ﴿حين يرون العذاب﴾ أي في الدنيا والآخرة ﴿من أضل سبيلاً*﴾ هم أوالدعي لهم إلى ترك الأصنام الذي ادعوا إضلاله بقولهم ﴿ليضلنا﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٩