ولما كانت النعمة في إنزال الماء على الأنعام وأهل البوادي ونحوهم أكثر، لأن الطير والوحش تبعد في الطلب فلا تعدم ما تشرب، خصها فقال :﴿إنعاماً﴾ وقدم النبات لأن به حياة الأنعام، والأنعام لأن بها كمال حياة الإنسان، فإذا وجد ما يكفيها من السقي تجزّأ هو بأيسر شيء، وأتبع ذلك قوله :﴿وأناسيّ كثيراً*﴾ أي بحفظنا له في الغدران لأهل البوادي الذين يبعدن عن الأنهار والعيون وغيرهم ممن أردنا، لأنه تعالى لا يسقي جميع الناس على حد سواء، ولكن يصيب بالمطر من يشاء، ويصرفه عمن يشاء، ويسقي بعض الناس من غير ذلك، ولذا نكر المذكورات - كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : ما من عام بأمطر من عام، ولكن الله قسم ذلك بين عباده علىما يشاء - وتلا هذه الآية.
وقال البغوي : وذكر ابن إسحاق وابن جريج ومقاتل وبلغوا به ابن مسعود رضي الله عنه يرفعه قال : ليس من سنة بأمطر من أخرى، ولكن الله قسم الأرزاق، فجعلها في السماء الدنيا في هذا القطر، ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ووزن معلوم، فإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم، وإذا عصوا جميعاً صرف الله تعالى ذلك إلى الفيافي والبحار - انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٤
وكان السر في ذلك أنه كان من حقهم أن يطهروا ظواهرهم وبواطنهم، ويطهروا غيرهم ليناسبوا حاله في الطهورية، فلما تدنسوا بالقاذورات تسببوا في صرفه عنهم.
ولما ذكر سبحانه أن من ثمرة إنزال القرآن نجوماً إحياء للقلوب التي هي أرواح الأرواح، وأتبعه ما لاءمة، إلى أن ختم بما جعله سبباً لحياة الأشباح، فكان موضعاً لتوقع العود إلىما هو فائدة أخرى لتنجيمه أيضاً :﴿ولقد صرفناه﴾ أي وجهنا القرآن.