نصيباً مما تفرد الله بخلقه، ثم يجعل لها أيضاً بعض ما كان سماه لله، ويعاند أولياء الله من الأنبياء وغيرهم، وينصب لهم المكايد والحروب، ويؤذيهم بالقول والفعل، مع علمه بأن الله معهم لمايشاهدونه من خرقه لهم العوائد، فكان هذا فعل من لا يعبأ بالشيء ﴿لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً﴾ [الفرقان : ٢١] ﴿أن لا تعلوا على الله﴾ [الدخان : ١٩] وهو في الحقيقة تهكم بالكفار، لأنهم يفعلون ما يلزم عليه هذا اللازم الذي لا يدور في خلد عاقل.
ولما كان التقدير تسلية له ﷺ : فالزم ما نأمرك به ولا يزد همُّك بردهم عما هم فيه، فإنا ما ارسلناك عليهم وكيلاً، عطف عليه قوله :﴿وما أرسلناك﴾ أي بما لنا من العظمة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٧
ولما كان سياق السورة للإنذار، لما ذكر فيها من سوء مقالهم، وقبح أفعالهم، حسن التعبير في البشارة بما يدل على كثرة الفعل، ويفقهم كثرة المفعول، بشارة بكثرة المطيع، وفي النذارة بما يقتضي أن يكون صفة لازمة فقال :﴿إلا مبشراً﴾ أى لكل من يؤمن ﴿ونذيراً*﴾ لكل من يعصي.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٢٧
ولما وقع جوابهم عن قولهم ﴿لولا أنزل إليه ملك﴾ [الفرقان : ٧] وكان قد بقي قولهم ﴿أو يلقي إليه كنز﴾ [الفرقان : ٨] أشير إلى مزيد الاهتمام بجوابه بإبرازه في صورة الجواب لمن كأنه قال : ماذا يقال لهم إذا تظاهروا وطعنوا في الرسالة بما تقدم وغيره ؟ فقال :﴿قل﴾ أي لهم يا أكرم الخلق حقيقة، وأعدلهم طريقة محتجاً عليهم بإزالة ما يكون موضعاً للتهمة :﴿ما أسألكم عليه﴾ أي على الإبلاغ بالبشارة والنذارة ﴿من أجر﴾ لتتهموني أني أدعوكم لأجله، أو تقولوا : لولا ألقي إليه كنز ليغتني به عن ذلك، فكأنه يقول : الاقتصار عن التوسع في المال إنما يكره لمن يسأل الناس، وليس هذا من شيمي قبل النبوة فكيف بما بعدها ؟ فلا غرض لي حينئذ إلا نفعكم.