أي على تقدير كونها عامة في المشرك وغيره ؛ وروي عنه انه قال في آية النساء : نزلت في آخر ما نزل، ولم ينسخها شيء.
وقد تقدم في سورة النساء الجواب عن هذا، وكذا ما رواه البخاري عنه في التفسير : إن ناساً من أهل الشرك كانوا قتلوا وأكثروا وزنوا وأكثروا، فأتوا محمداً ﷺ فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة، فنزل ﴿والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون﴾ [الفرقان : ٦٨] ونزل ﴿يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله﴾ [الزمر : ٥٣].
ولما أشعرت الفاء بالتسبيب، ودل تأكيد الفعل بالمصدر على الاحتياج إلى عمل كثير ربما جل عن طوق البشر، وأشار إلى التطريق له بالوصفين العظيمين، أتبع ذلك بيان الطريق إليه بما أجرى من العادة فقال :﴿ومن تاب﴾ أي عن المعصية كفراً كانت أو ما دونه ﴿وعمل﴾ تصديقاً لادعائه التوبة.
ولما كان في سياق الترغيب، أعراه من التأكيد فقال :﴿صالحاً﴾ ولو كان كل من نيته عمله ضعيفاً ؛ ورغب سبحانه في ذلك بقوله معلماً أنه يصل إلى الله :﴿فإنه يتوب﴾ أي يرجع واصلاً ﴿إلى الله﴾ أي الذي له صفات الكمال، فهو يقبل التوبة عن عباده،
٣٣٩
ويعفو عن السيئات ﴿متاباً*﴾ أى رجوعاً عظيماً جداً بأن يرغبه الله في الأعمال الصالحة، فلا يزال كل يوم في زيادة في نيته وعمله، فيخف ما كان عليه ثقيلاً، ويتستر له ما كان عسيراً، ويسهل عليه ما كان صعباً، كما تقدم في ﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم﴾ [يونس : ٩] ولا يزال كذلك حتى يحبه فيكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، بأن يوفقه للخير، فلا يسمع إلا ما يرضيه، وهكذا، ومن أجراه على ظاهره فعليه لعنة الله، لمخالفته إجماع المسلمين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٣٦


الصفحة التالية
Icon