جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٤٤
ولما كان قدم قدم في تلك أنه عم برسالته جميع الخلائق، وختم بالإنذار على تكذيبهم في تخلفهم، مع إزاحة جميع العلل، نفي كل خلل، وكان ذلك مما يقتضي شدة أسفه ﷺ على المتخلفين كما هو مضمونن ﴿إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً﴾ على ما تقدم.
وذلك لما عنده صلى الله عليه سلم من مزيد الشفقة، وعظيم الرحمة، قال تعالى يسليه، وييل من أسفه ويعزيه، على سبيل الاستئناف، مشيراً إلى أنه لا نقص في إنذاره ولا في كتابه الذي به ينذر به يكن سبباً لوقوفهم عن الإيمان.
وإنما السبب في ذلك محض إرادة الله تعالى :﴿لعلك باخع نفسك﴾ أى مهلكها غمّاً.
وقاتلها أسفاً، من يخع الشاة إذا بالغ في ذبحها حتى قطع البخاع، بكسر الموحدة، وهو عرق باطن في الصلب
٣٤٦
وفب الفقا، وذلك أقصى حد الذبح، وهو غير النخاع يتثليث النون فإن الخيط الأبيض في جوف الفقار ﴿أن﴾ أى لأجل أن ﴿لا يكونوا﴾ أي كوناً كأنه جبلة لهم ﴿مؤمنين*﴾ أي راسخين في الإيمان، فكان كأنه قيل : هذا الكتاب في غاية البيان في نفسه والإبانة للغير، وقد تقدم في غير موضع أنه ليس عليك إلا البلاغ، أخاف وتشفق على نفسك من الهلاك عمّاً تأسفاً على عدم إيمانهم والحال أنا لو شئنا لهديناهم طوعاً أو كرهاً، والظاهر أن جملة الإشفاق في موضع حال من اسم الإشارة كما أن اية التي بعدها في موضع الحال منها، أى نحن نشير إلى الآيات المبينة لمرادنا فيهم والحال أنك - لمزيد حرصك على نفعهم - بحال يشفق فيهاا عليك من لا يعلم الغيب منأن تقتل نفسك غمّاً لإبائهم الإيمان والحال أنا لو شئنا اتيناهم بما يقهرهم ويذلهم للإيمان وغيره.
ولا كان المحب ميالاً إلى ما يريد حبيبه، أعلمهم أن كل ما هم فيه بإرادته فقال :﴿إن نشأ﴾ وعبر بالمضارع فيه وفي قوله :﴿ننزل﴾ إعلاماً بدوام القدرة.


الصفحة التالية
Icon