لم يقبل، أخبر من تشوف إلى معرفة جوابه أنه أجاب بما يقتضي الدعاء بالمعونة، لما عرف من خطر هذا المقام، بقوله ملتفتاً إلى نحو ﴿يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً﴾ [الفرقان : ٣٠] ﴿قال رب﴾ أي أيها الرفيق بي ﴿إني أخاف أن يكذبون*﴾ أي فلا يترتب على إتياني إليهم أثر، ويبغون لي الغوائل، فاجعل لي قبولاً ومهابة تحرسني بها ممن يريدني بسوء، ويجوز أن يريد بـ (أخاف) أعلم أو (أظن، فيكون " أن " مخففة، فيكون الفعلان معطوفين على " يكذبن " في قراءة الجمهور بالرفع مع جواز العطف على (أخاف) فيكون التقدير :﴿و﴾ أخاف أنه، أو قال : إني ﴿يضيق صدري﴾ عند تكذيبهم أو خوفي من تكذيبهم لي انفعالاً كما هو شأن أهل المروءات، وأرباب علو الهمم، لما غرز فيهم من الحدة والشدة في العزيمة إذا لم يجدوا مساغاً ﴿ولا ينطلق﴾ ونصب يعقوب الفعلين عطفاً على ﴿يكذبون﴾ على أن (أن) ناصبة ﴿لساني﴾ أى في التعبير عما ترسلني إليهم به، لما فيه من الحبسة في الأصل بسبب تعقده لتلك الجمرة التي لدغته في حال الطفولية، فإذا وقع التكذيب أو خوفه وضاق القلب، انقبض الروح إلى باطنه فازدادت الحبسة، فمست الحاجة إلى معين يقوي القلب فيعين على إطلاق اللسان عند الحبسة لئلا تختل الدعوة ﴿فارسل﴾ أى فتسبب عن ذلك الذي اعتذرت به عن المبادرة إلى الذهاب عند الأمر أني أسألك في الإرسال ﴿إلى هارون﴾ أخي، ليكون رسولاً من عندك فيكون لي عضداً على ما أمضى له من الرسالة فيعين على ما يحصل من ذلك، وليس اعتذاره بتعلل في الامتثال، وكفى بطلب العون دليلاً على التقبل، لا على التعلل.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٠