ولما استشرقت النفس إلى معرفة جوابه عن هذه الأمر المهمة شفى عناءها بقوله، إعلاماً بأنه سبحانه استجاب له في كل ما سأل :﴿قال﴾ قول كامل القدرة شامل العلم كما هو وصفه سبحانه :﴿كلا﴾ أى ارتدع عن هذا الكلامن فإنه لا يكون شيء مما خفت، لا قتل ولا غيره - وكأنه لما كان التكذيب مع ما قام على الصدق من البراهين، المقوية لصاحبها، الشارحة لصدره، المعلية لأمره، عد عدماً - وقد أجبناك إلى الإعانة بأخيك ﴿فاذهبا﴾ أى أنت وهو متعاضدين، إلى ما أمرتك به، مؤيدين ﴿بآياتنا﴾ الدالة على صدقكما على ما لها منالعظمة بإضافتها إلينا ؛ ثم علل تأمينه له بقوله :﴿إنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿معكم﴾ أي كائنون عند وصولكما إليهم فبمن اتبعكما من قومكما ؛ ثم أخبر خبراً آخر بقوله :﴿مستمعون*﴾ أى سامعون بما لنا من العظمة في القدرة وغيرها من صفات الكمال، إلى ما تقولان لهم ويقولون لكما، فلا نغيب عنكم ولا تغيبون عنا، فنحن نفعل معكما من المعونة والنصر فعل القادر الحاضر لما يفع بحبيبه المصغي له بجهده، ولذلك عبر بالاستمتاع ؛ قال أبو حيان : وكان شيخاً الأستاذ أبو جعفر بن الزبير يرجح أن يكون اريد بصورة الجمع المثنى والخطاب لموسى وهارون فقط، لأن لفظه " مع " تباين من يكون كافراً، فإنه لا يقال : الله معه، وعلى أنه أريد بالجمع التثنية حمله سيبويه كأنهما لشرفهما عند الله تعالى عاملهما في الخطاب معاملة الجمع إذ كان ذلك جائزاً أن يعامل به الواحد لشرفه وعظمته - انتهى.
وهو كلام نفيس مؤيد بتقديم الظرف، ويكون حينئذ خطابهما مشاكلاً لتعظيم المتكلم سبحانه نفسه، لأن المقام للعظمة، وعظمة الرسول من عظمة المرسل، على انه يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى البشارة بمن يتبعها كما قدرته، ويجوز أن تكون المعية للكل كما في قوله تعالى :﴿ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم﴾ [المجادلة : ٧].
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٠


الصفحة التالية
Icon