ولما خاف فرعون اتباع الناس لهم، لما يرن مما هالهم من أمرهم، وكان قد تقدم ما يعرف أن المنكر عليهم فرعون نفسه، قال تعالى مخبراً عنه :﴿قال﴾ من غير ذكر الفاعل - أي فرعون - لعدم اللبس، ومقصود السورة غير مقتض للتصريح كما في الأعراف بل ملائم للإعراض عنه والإراحه منه، منكراً مبادراً موهماً لأنه إنما يعاقب على المبادرة بغير إذن، لا على نفس الفعل، وأنه ما غرضه إلا التثبيت ليؤخر بهذا التخييل الناس عن المبادرة بالإيمان إلى وقت ما ﴿آمنتم له﴾ أي لموسى عليه السلام، أفرده بالضمير لأنه الأصل في هذه الرساله، وحقيقة الكلام : أوقعتم التصديق بما أخبر فعلهم بما الله لإجله إعظاماً له بذلك ﴿قبل أن ءاذن لكم﴾ أى في الإيمان ؛ ثم علل فعلهم بما يقتضي أنه عن مكر وخداع، لا عن حسن اتباع، فقال :﴿إنه﴾ أي موسى عليه السلام ﴿لكبيركم﴾.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٥٩
ولما كان هذا مشعراً بنسبته له إلى السحر، وأنه أعلم منهم به، فلذلك غلبهم، ـوضحه بقوله :﴿الذي علمكم السحر﴾ فتواعدتم معه على هذا الفعل، لتنزعوا الملك من أربابه، هذا وكل من سمعه يعلم كذبة قطعاً، فإن موسى عليه السلام ما ربي إلا في بيته، واستمرّ حتى فر منهم إلى مجين، لا يعلم سحراً، ولا ألم بساحر، ولا سافر إلا إلى مدين، ثم لم يرجع إلا داعياً إلى الله، ولكم الكذب غالب على قطر مصر، وأهلها اسرع شيء سماعاً له وانقياداً به.
ولما أوقف السامعين بما خيلهم به من هذا الباطل المعلوم البطلان لكل ذي بصيرة، أكد المنع بالتهديد فقال :﴿فلسوف تعلمون*﴾ أي ما أفعل بكم، أي فتسبب عما فعلتم أني أعاقبكم عقوبة محققة عظيمة، وأتى بأداة التنفيس خشية من أن لا يقدر
٣٦٠


الصفحة التالية
Icon