ولما كانت قلتهم إنما هي بالنسبة إلى كثرة آل فرعون وقوتهم وما لهم عليهم من هيبة الاستبعاد، وكان التعبير بالشرذمة موهماً لأنهم في غاية القلة، أزال هذا الوهم بالتعبير بالجمع دون المفرد ليفيد أنه خبر بعد خبر، لا صفة، وأن التعبير بالشرذمة إنما هو للإشارة إلى تفرق القلوب، والجمع ولا سيما ما للسلامة مع كونه ايضاً للقلة أدل على أنهم أوزاع، وفيه أيضاً إشارة إلى انهم مع ضعفهم بقلة العدد آيسون من إسعاف بمدد.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٦١
وليس لهم أهبة لقتال لعدم العدة لأنهم لم يكونوا قط في عداد من يقاتل كما تقول لمن تزدريه : هو أقل من أن يفعل كذا، فقال :﴿قليلون*﴾ أي بالنسبة إلى ما لنا من الجنود التي لا تحصى وإن كانوا في أنفسهم كثيرين، فلا كثرة لهم تمنعكم أيها المحشورون من اتباعهم ؛ قال البغوي عن ابن مسعود رضي الله عنهما : كانوا ستمائة ألف وتسعين ألفاً، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون - انتهى.
وكل هذا بيان لأن فرعون مع تناهي عظمته لم يقد على أثرٍ ما في موسى عليه السلام ولا من اتبعه تحقيقاً لما تقدم من الوعد به أول القصة.
ولما ذكر ما يمنع الخوف من اتباعهم، ذكر ما يوجب الحث عليه ويحذر من التقاعس عنه فقال :﴿وإنهم لنا﴾ ونحن على ما نحن عليه من الكثرة والعظمة ﴿لغائظون*﴾ أى بما فجعونا به من أنفسهم وما استعاروه من الزينة من أواني الذهب والفضة وفاخر الكسوة، فلا رحمة في قلوبكم تحميهم.
ولما كان مدار مادة " شرذم " على التقطع.
فكان في التعبير بها إشارة إلى أنهم مع
٣٦٢
القلة متفرقون ليسوا على قلب واحد، وذكر أن في اتباعهم شفاء الغلل، أتبعه ما ينفي عن المتقاعد العلل، فقال :﴿وإنا لجميع﴾ أي أنا وأنتم جماعة واحدة مجتمعون بإياله الملك على قلب واحد.


الصفحة التالية
Icon