ولما كان الحاصل ما مضى الإعلام بالرسالة، والتحذير من المخالفة، لأنها تؤدي إلى الضلالة إلى أن ختم ذلك بالإشارة بالتعبير بالجبلة إلى أن عذابه تعالى عظيم، لا يستعصي عليه صغير ولا كبير، أجابوه بالقدح في الرسالة أولاً، وباستصغار الوعيد ثانياً، بأن ﴿قالوا إنما أ، ت م المسحرين*﴾ أي الذين كرر سحرهم مرة بعد أخرى حتى اختبلوا، فصار كلامهم على غير نظام، أو من المعللين بالطعام والشراب كما مضى في صالح عليه السلام، أي فأنت بعيد من الصلاحية للرسالة : ثم اشاروا إلى عدم صلاحية البشر مطلقاً لها ولو كانوا أعقل الناس وابعدهم عن الآفة بقولهم، عاطفين بالواو إشارة إلى عراقته فيما وصفوه به من جهة السحر والسحر، وأنه لا فرق بينه وبينهم :﴿وما أنت إلا بشر مثلنا﴾ أي فلا وجه لتخصيصك عنا بذلك، والدليل على أن عطف ذلك ابلغ من إتباعه من غير عطف جزمهم بظن كذبه في قولهم ؛ ﴿وإن﴾ أي وإنّا ﴿نظنك لمن الكاذبين*﴾ أي العرقين في الكذب - هذا مذهب البصرين في أن ﴿إن﴾ مخففة من الثقيلة، والذي يقتضيه السياق ترجح مذهب الكوفيين هنا البصريين في أن ﴿إن﴾ نافية، فإنهم أرادوا بإثبات الواو في ﴿وما﴾ المبالغة في نفي إرساله بتعداد ما ينافيه، فيكون مرادهم أنه ليس لنا ظن يتوجه إلى غير كذب، وهو أبلغ من إثبات الظن به، ويؤيده تسبيبهم عنه سؤاله استهزاء به وتعجيزاً له إنزال العذاب بخلاف ما تقدم عن قوم صالح عليه السلام، فقالوا :﴿فأسقط علينا كسفاً﴾ بإسكان السين على قراءة الجماعة وفتحها في رواية حفص، وكلاهما جمع كسفة، أى قطعاً ﴿من السماء﴾ أي سحاب، أو الحقيقة، وهذا الطلب لتصميمهم على التكذيب، ولو كان فيهم ادنى ميل إلى التصديق لما أخطروه ببالهم فضلاً عن طلبه ولا سيما كونه على وجخ التهكم، ولذلك قالوا :﴿إن كنت﴾ أي كوناً هو لك كالجبلة ﴿من الصادقين*﴾ أي العريقين في الصدق، المشهورين فيما بين أهله، لنصدقك فيما لزم من أمرك لنا باتخاذ الوقاية من العذاب من


الصفحة التالية
Icon