ولما كان الحال موجباً للسؤال عن يوم الظلة، قال تعالى مهوّلاً لأمره ومعظماً لقدره :﴿إنه كان﴾ فأكد بـ " إن " وعطم بـ " كان " ﴿عذاب يوم عظيم*﴾ وزاده عظماً بنسبته إلى اليوم فصار له من الهول، ببديع هذا القول، ما تجب له القلوب وتعظم الكروب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٧
ولما كان لتوالي الأخبار بإهلاك هذه القرون، وإبادة من ذكر من تلك الأمم، من الرعب ما لا يبلغ وصفه، ولا يمكن لغيره سبحانه شرحه، قال تعالى مشيراً إليه تحذيراً من مثله :﴿إن في ذلك﴾ أي الأمر العظيم من الإنجاء المطرد لكل رسول ومن أطاعه، والأخذ المطرد لمن عصاه في كل عصر بكل قطر، بحث لا يشذ من الفريقين إنسان قاص ولا دان ﴿لآية﴾ أى لدلالة واضحة عظيمة على صدق الرسل وأن يكونوا جديرين بتصديق العباد لهم في جميع ما قالوا من البشائر والنذائر بأن الله تعالى يهلك من عصاه، وينجي من والاه، لأنه الفعال المختار، لا مانع له، ولا سيما أنت وأنت أعظمهم منزلة، وأكرمهم رتبة، ولا سيما وقد أتيت قومك بما لا يكون معه شك لو لم يكن لهم
٣٨٩
بك معرفة قبل ذلك، فكيف وهم عارفون بأنك كنت قبل الرسالة أصقهم لهجة، واعظمهم أمانة، وأغزرهم عقلاً، وأوضحهم نبلاً، وأعلاهم همة، وابعدهم عن كل دنس - وإن قل - ساحة ؛ ثم عجب من توقفهم في الإيمان مع ما عرفوا من صدق نبيهم وطهارة أخلاقه، ووفور شفقته عليهم، ولم يخافوا من مثب ما تحقفوه من إهلاك هذه الأمم فقال :﴿وما كان أكثرهم﴾ أي أكثر قومك كما كان من قبلهم مع رؤية هذه الآيات، وإحلال المثلات حتى لكأنهم تواصوا بذلك ﴿مؤمنين*﴾ أي عريقين في الإيمان، بل ما يؤمنون إلا وهو مشركون.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٨٩


الصفحة التالية
Icon