ولما كان الحال مقتضياً لأن يقال/ من أتى بهذا المقال، عن ذي الجلال ؟ قال :﴿نزل به﴾ أي نجوماً على سبيل التدريج من الأفق الأعلى الذي هو محل البركات، وعبر عن جبرائيل عليه السلام بقوله :﴿الروح﴾ دلالة على أنه مادة خير، وأن الأرواح تجيء بما ينزله من ا لهدى، وقال :﴿الأمين*﴾ إشارة إلى كونه معصوماً من كل دنس، فلا يمكن منه خيانة ﴿على قلبك﴾ أي محمداً الذي هو أشرف الققلوب وأعلاها، وأضبطها وأوعاها، فلا زيغ فيه ولا عوج، حتى صار خلقاً له، وفي أسقاط الواسطة إشارة إلى أنه - لشدة إلقائه السمع وإحضاره الحس - يصي في تمكنه منه بحيث يحفظه فلا ينسن ويفهمه حق فهمه فلا يخفى، فدخوله إلى القلب في غاية السهولة حتى كأنه وصل إليه بغير واسطة السمع عكس ما يأتي عن المجرمين، وهكذا كل من وعى شيئاً غاية الوعي حفظه كل الحفظ، انظر إلى قوله تعالى ﴿ولا تعجل بالقرآن من قبل أن
٣٩١
يقضي إليك وحيه وقل رب زدني علم﴾
[طه : ١١٤] ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به﴾ [القيامة : ١٦].
ولما كان السياق في هذه السورة للتحذير، قال معللاً للجملة التي قبله :﴿لتكون من المنذرين*﴾ أي المحذرين لمن أعرض عن الإيمان، وفعل ما نهى عنه من العصيان.
ولما كان القد من السورة التسلية عن عدم إيمانهم بأنه لسفول شأنهم، لا لخلل في بيانة، ولا لنقص في شأنه، قال تعالى موضحاً لتمكنه من قبله :﴿بلسان عربي﴾.


الصفحة التالية
Icon