ولما أخبر سبحانه أن غاية إنزال هذا القرآن كونه ﷺ من المنذرين، وأتبع ذلك ما لاءمه حتى ختم بإهلاك من كذب المنذرين، عطف على قوله :﴿نزل به الروح﴾ قوله إعلاماً بأن العناية شديدة في هذا السياق بالقرآن لتقرير أنه من عند الله ونفى اللبس عنه بقوله :﴿وما تنزلت به﴾ أي القرآن ﴿الشياطين*﴾ أي ليكون سحراً أو كهانة أو شعراً أو أضغاث أحلام كما يقولون.
٣٩٥
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣٩٣
ولما كان لا يلزم من عدم التلبس بالفعل عدم الصلاحية له قال :﴿وما ينبغي لهم﴾ أي ما يصح وما يتصور منهم النزول بشيء منه لأنه خير كله وبركة، وهم مادة الشر والهلكة، فبينهما تمام اتباين، وأنت سكينة ونور، وهم زلزلة وثبور، فلا إقبال لهم عليك، ولا سبيل بوجه إليك.
ولماكان عدم الانتفاء لا يلزم منهم عدم القدرة قال :﴿وما يستطيعون*﴾ أي النزوول به وإن اشتدت معالجتهم على تقدير أن يكون لهم قابلية لذلك ؛ ثم علل هذا بقوله :﴿إنهم عن السمع﴾ أي الكامل الحق، من الملأ الأعلى ﴿لمعزلون*﴾ أي بما حفظت به السماء من الشهب وبما باينوا به الملائكة في الحقيقة لأنهم خير صرف، ونور خالص، وهؤلاء شر بحت وظلمة محضة، فلا يسمعون إلا خطفاًن فيصير - بما يسبق إلى افهامهم، ويتصور من باب الخيال في أوهامهم - خلطاً لا حقيقة لأكثره، فلا وثوق بأغلبه، ولا يبعد أن يكون ذلك عاماً حتى يشمل السماع من المؤمنين لما شاركوا به الملائكة من النور والخير، انظر ما ورد في آية الكرسي من أنها لا تقرأ في بيت فيقربه شيطان، وفي رواية : إلا خرج منه الشيطان، وورد نحوه في الآيتين من آخر سورة البقرة، وكذا ما كان من أشكال ذلك، وأعظم منه قوله عليه الصلاة والسلام لعمر رضي الله عنه :"إنه يل ابن الخطاب والذي نفسي بيده ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك ".
وترك تعليل الانبغاء لظهوره.


الصفحة التالية
Icon