ولما كان من الشعر - كما قال النبي ﷺ - حكمة، وكان - كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها - بمنزلة الكلام منه حسن ومنه قبيح، وكان من الشعراء من يمدح الإسلام والمسلمين، ويهجو الشرك والمشركين، ويزهد في الدنيا ويرغب في الآخرة، ويحث على مكارم الأخلاق، وينفر عن مساوئها، وكان الفيصل بين قبيلي حسنة وقبيحة كثرة ذكر الله، قال تعالى :﴿إلا الذين آمنوا﴾ أي بالله ورسوله ﴿وعملوا﴾ أي تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات﴾ أي التي شرعها الله ورسوله لهم ﴿وذكروا الله﴾ مستحضرين ما له من الكمال ﴿كثيراً﴾ لم يشغلهم الشعر عن الذكر، بل بنوا شعرهم على أمر الدين والانتصار للشرع، فصار لذلك كله ذكر الله، ويكفي مثالاً لذلك قصيدة عزيت لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه وجوابها لابن الزبعرى، وكان إذ ذاك على شركه، وذلك في أول سرية كانت في الإسلام.
وهي سرية عبيدة بن الحارث بم المطلب بن عبد مناف رضي الله تعالى عنه، فإن قصيدة ابي بكر رضي الله تعالى عنه ليس فيها بيت إلا وفيه ذكر الله إما صريحاً وإما بذكر رسول الله ﷺ أو شيء من دينه، وما ليس فيه شيء من ذلك فهو ىيل إليه لبنائه عليه، وأما نقيضها فلا شيء في ذلك فيها ؛ قال ابن إسحاق : قال ابو بكر رضي الله تعالى عنه في غزوة عبيدة بن الحارث رضي الله تعالى عنه :
أمن طيف سلمى بالبطاح الدمائث أرقت وأمر في العشيرة حادث ترى من لؤيّ فرقة لا يصدها عن الكفر تذكير ولا بعث باعث رسول أتاهم صادق فتكذبوا عليه وقالوا لست فينا بماكث إذا ما دعوناهم إلى الحق أدبروا وهروا هرير المحجرات اللواهث فكم قد متتنا فيهم بقرابة وترك التقى شيء لهم غير كارث فإن يرجعوا عن كفرهم وعقوقهم فما طيباب الحل مثل الخبائث
٤٠١


الصفحة التالية
Icon